إمارة خير الدين على الجزائر بعد هزمه جيوش الإسبانيين
كان قتل عروج حدثا هاما عند النصاري وإعتبروه يوما وطنيا في أروبا عامة وبإسبانيا علي الخصوص. إلي درجة تكريم الجنرال الذي قتل عروج من طرف الإمبراطور ،بمنحه شهادة الإعتراف بجميل الأمة. كما أقيمت الأفراح ، وحمل رأس عروج إلي وهران وأخدوا لباسه الفاخر المصنوع من الوبر الأحمر المطرز بالذهب ووضعوه بقرطبة،كذكري يفتخرون به أمام بني جلدتهم، وكانوا يسمون ذلك اللباس (شابا بابروسة ) أي ثوب بربروس.
لقد تأثر كثيرا خير الدين بالوقائع المؤلمة التي حلت به وبالجزائر عموما المتمثلة في موت إخوته الثلاتة (عروج -إسحاق -إلياس ) وموت عدد من المجاهدين. هذه الأحداث جعلت خير الدين يفكر في مغادرة الجزائر ، لكنه سرعان ما تراجع عن رأيه بعد وصول فرقة من الجيش الإنكشاري التي أرسلها السلطان سليمان القانوني نجدة لخير الدين ، فقويت عزيمته وبدأ يستعد للأخد بالثأر. فتولي إمارة الجزائر خلفا لأخاه مواصلا عمله في محاربة العدو وترتيب أمور الحكم في البلاد وتنظيمها. في وقت كان يظن الإسبان أنهم قطعوا دابر الأتراك بقتل عروج. لقد بادر الملك شارل الخامس بتوجيه قوة عضيمة ليحارب خير الدين ، مغتنما فرصة إستشهاد عروج وإنتصار جيوشه في تلمسان .كانت الحملة تشمل أربعين سفينة تحمل خمسة آلاف جندي . فعين علي رأس الجيش القائد 《كودي منكاد》نائب ملك الصقلية وكان رفقته القائد الإسباني 《كونز الفومارينو ريبرا》.
أقلع الأسطول من جزيرة صقلية فمر بمدينة المرسي الكبير وأخد منها جندا وعتادا ثم مر ببجاية كذلك أخد منها جندا وعتاد . وأرست سفن الإسبان بين الجزائر والحراش كان ذلك يوم 17أوت سنة 1519م
بمجرد أن حلت جيوش الإسبان قرب الجزائر، شرع القائد الإسباني كونز الفومارينو ريبرا في قصف المدينة بمدفعية . فإستولي العدو علي كدية الصابون .وذلك بسبب الخطة التي رسمها خير الدين المتمثلة في ترك الجيش الإسباني ينزل إلي البر دون إعتراضه أو قيام بأي مقاومة ،ثم يناوشونه في حرب كمين محيطين به من كل جهة حتى ينال منه التعب وينهكه العياء.
وهذا ما حدث فعلا ، خاصة أنه طال إنتظار الجيش التلمساني بقيادة عبدالله الثاني . أرسل خير الدين جماعة من المجاهدين إلى ساحل البحر ليهاجموا العدو حتي يقطع وصول الجيش الزياني . كان عددهم خمس مئة محارب ، وبدأوا يخربون المعسكر ويشعلون النار في القوارب .وبالتالي وقع الجيش الإسباني في مكيدة الحربية التي إستعملها خير الدين ، وإنقسمت قوتهم إلي نصفين ، فإختل نظامهم فقتل الكثير من الجنود الإسبان ، إما عن طريق السيف أو الرصاص وكذلك من مات منهم غرقا جراء تشتيت السفن. وهذا أيضا ذكره أحمد توفيق المدني
أما عبد الحميد بن زيان يري أن سبب النكسة التي تعرض لها الجيش الإسباني، أنه كان علي رأس الجيش قائدان متساويان في السلطة والنفود 《كودي منكاد- وكونز الفومارينو دي ريبرا》فكلف هذا الأخير بمهمة الهجوم علي المدينة ، فإحتل كدية الصابون (نفس ما ذكره أحمد توفيق المدني ).أما القائد الثاني كودي منكاد إعترض علي القائد السابق الذكر ورفض الهجوم علي المدينة حتي يصل جيش الزيانيين بقيادة أبي حمو (خلافا لي أحمد توفيق المدني الذي ذكر أن الجيش الزياني كان بقيادة عبدالله الثاني).
فسمع خير الدين بالخلاف القائم بين القائدين، فإستثمر في ذلك بإسراعه في تنفيد الهجوم علي العدو حتي لا تتقوي قوات الجيش الإسباني بوصول جيش التلمساني ، فشتت المسلمون شمل الإسبان الذين هربوا إتجاه سفنهم الراسبة بالميناء قرب لاغا وكان يوما أسود بنسبة لهم و صدمة عنيفة تلقاها العدو الإسباني.بعدما حاول الجند ركوب في السفن ،وإذا بعاصفة شديدة طلعت ،فتعثرت السفن وغرق الكثير من الجيش الإسباني، كانت الحصيلة حسب المؤرخين أربعة آلاف غريق من أصل خمسة آلاف جندي وغرقت خمسين سفينة .ويضيف أحمد توفيق مدني أن عدد الأسري كان يزيد عن ثلاتة آلاف قتلوا فيما بعد لأنهم حاولوا الانتقاض.
يري الكثير من مؤرخي الإفرنج أن العاصفة البحرية كانت سببا رئيسيا في هزيمة الإسبان، متجاهلين شجاعة وذكاء خير الدين ، وبسالة المجاهدين في القتال . يخالف هذا الرأي المؤرخ الإسباني《 هايدو》،يؤكد ان العاصفة البحرية جاءت بعد إنهزام الجيش الإسباني ومحاولة ركوب جنده السفن. وكذلك المؤرخ الفرنسي《 دي قرامون》له نفس قول المؤرخ هايدو حيث يرى إن الزوبعة ثارت بعد النكسة التي تعرض لها الإسبان . إن مؤرخي الإفرنج دائما يبحثون عن مبررات لهزائم الإسبان ، كما فعلوا من قبل ، وذلك لي تخفيف من حدة وقع هذه الإنكسارات ، وسوف نمر علي نكبات إسبانية أخري.
بقلم: بركان كراشاي هارون