الثقافةعاجل

افتتاح الدورة ال15 للألعاب الرياضية العربية: عرض فني استعراضي مبهر يعكس تاريخ الجزائر المجيد وتراثها العريق

افتتحت مساء يوم الأربعاء بالمركب الأولمبي محمد بوضياف بالجزائر العاصمة الدورة ال15 للألعاب الرياضية العربية بتقديم عرض فني استعراضي مبهر عكس تاريخ الجزائر المجيد وتراثها العريق، في أجواء بهيجة صنعها أيضا الجمهور الغفير الحاضر.

وعرف حفل الافتتاح، الذي حضره الوزير الأول، السيد أيمن بن عبد الرحمان، الذي أعلن رسميا عن افتتاح هذه الألعاب باسم رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تقديم عرض فني استعراضي مبهر بعنوان “صميم”، من تصميم وإخراج موسى نون، شارك فيه المئات من المبدعين، من موسيقيين وراقصين كوريغرافيين وممثلين ومغنيين وسينوغرافيين وتقنيين ومؤطرين وغيرهم، مقدمين بذلك تحفة فنية استعراضية عنوانها الجزائر.وتحت تصفيقات الجمهور ورفرفة العلم الجزائري بدأ الجزء الأول من الحفل بدخول الفرقة التابعة للحرس الجمهوري التي أدت النشيد الوطني الجزائري، ليتم بعدها استقبال الوفود العربية المشاركة في الألعاب على ألحان التراث الموسيقي الجزائري، وكذا رفع رايات كل من اتحاد اللجان الأولمبية الوطنية العربية وجامعة الدول العربية إضافة إلى راية الألعاب العربية، و ذلك على وقع النشيد الخاص بالألعاب العربية الذي يرفع لأول مرة في تاريخ الألعاب، وهو من تأليف وتلحين جزائري.

وبعد أداء القسمين الرياضي والتحكيمي من رياضيين جزائريين، باسم الأسرة الرياضية والتحكيمية الجزائرية والعربية الحاضرة بالألعاب، والداعيين للأخوة العربية والروح الرياضية، انطلق الجزء الثاني من حفل الافتتاح بتقديم العرض الفني الاستعراضي “صميم”، تحت إشراف اللجنة المنظمة لهذه الدورة من الألعاب، والذي قدم رحلة عبر الزمن إلى تاريخ وحضارة الجزائر.ومن فضاء مظلم بدأ هذا العرض، المتزامن واحتفالات الجزائر بالذكرى ال61 لعيدي الاستقلال والشباب، إذ يدخل موسيقيون في تتابع بآلاتهم المضيئة ليتبعهم راقصون محترفون يحملون كتبا مضيئة أيضا في إشارة إلى “الذاكرة”، لتحل بعدها شخصية “التاريخ” ممثلة في الراوي الرئيسي لهذا العرض البديع.ومثل الراوي بحضوره الرائع محورا هاما في هذا الإبداع، الذي دام أكثر من ساعة من الزمن، من خلال إلقائه لأشعار ومقاطع غنائية متنوعة، ساردا من خلالها الذاكرة الإنسانية للجزائر، وقد تقاسمت معه عملية السرد خمس شخصيات أخرى تمثل كل واحدة منها حقبة زمنية من الحقب التي عرفتها الجزائر على مر تاريخها الضارب في القدم.

مرحلة ما قبل التاريخ، مرحلة العصور القديمة، مرحلة الفترة الإسلامية، مرحلة المقاومة والتحرر ومرحلة الجزائر الحديثة، هي الحقب الزمنية التي عكستها هذه الشخصيات الخمس التي تجتمع في الأخير لتبرز الموروث المادي واللامادي للجزائر، وخصوصا المصنف منه كتراث عالمي من طرف اليونسكو، كقلعة بني حماد وقصبة العاصمة وركب سيدي الشيخ وأغنية “الراي” وغيرها.

وشارك في أداء هذا العرض المئات من الفنانين المبدعين يتقدمهم سوداني ناصر في دور “الراوي” (التاريخ)، وسعاد عسلة التي مثلت حقبة ما قبل التاريخ، التي يمثلها باقتدار موقع عين بوشريط بسطيف الذي يعود تاريخه ل 2.4 مليون سنة، وهو ثاني أقدم تواجد بشري وثاني أقدم موقع أثري في العالم.كما برزت كريمة نايت في تجسيدها لتاريخ الجزائر القديم، وليلى بورصالي التي أبدعت في تمثيل حقبة الفتوحات الإسلامية وما بعدها، وكذا ندى الريحان التي قدمت بتميز فترة المقاومة والتحرر من الاستعمار الفرنسي الغاشم، وصولا إلى إيناس بوزيدان والجزائر الحديثة المتألقة.

وكانت الفقرة الموالية عبارة عن لوحة استعراضية بديعة أبرزت جمال الجزائر، البلد القارة ذي التنوع الكبير، بحواضره التاريخية وعمرانه العريق وثقافته الغنية وطبيعته الساحرة، وقد رافقتها لوحات كوريغرافية غنائية أبرزت ثراء هذا الموروث الثقافي والفني، لتختتم بعدها بمشهد ترحيبي بالمشاركين وبضيوف الجزائر.

 

لقد عكس أيضا هذا العرض الافتتاحي الحضور الجزائري الكبير في المشهدين الاقليمي والدولي، كما قدم العديد من اللوحات الاستعراضية الرياضية باستخدام التكنولوجيات الحديثة، وهذا من خلال مشاهد لمختلف الرياضات الحاضرة بالألعاب واستعراض كذلك للمنشآت الرياضية الجزائرية.

كما تم التنويه فيه بخصوصية وتميز الجمهور الجزائري في صنع الفرجة، ومساهمته الدائمة في إنجاح مختلف التظاهرات الرياضية التي تنظمها الجزائر، محلية كانت أو دولية، وإشراكه كعنصر فاعل في الحدث، لتكون اللوحة الختامية عبارة عن أغنية ومشاهد تعبيرية وكوريغرافية تلاها عرض رائع للألعاب النارية.لقد تميز حفل الافتتاح بسينوغرافيا ذات إبداع وجمالية كبيرة طغت عليها الروح الجزائرية ورافقتها أحدث التكنولوجيات، سواء من حيث تصميم المسارح ورمزيتها، أو استعمال الإضاءات والألوان، أو الأزياء والملابس التي عكست الهوية الجزائرية عبر التاريخ، فبرزت  “الشدة” التلمسانية والقفطان والكراكو وغيرها من الأزياء الجزائرية الشهيرة.وأما الديكور فقد عكسته صخور ضخمة ترمز لسيفار والطاسيلي في أقصى جنوب الجزائر، وهي من العجائب الطبيعية في العالم ومن الشواهد الحية على تاريخ الجزائر الذي يعود لآلاف السنين، وكذا مجلدات تعلو هذه الصخور وتنبع منها صفحات كتب ترمز إلى الجزائر كبلد إشعاع حضاري، وتتوزع حولها شواهد على شاكلة أعمدة مكتوبة عليها بالحروف العربية وبحروف التيفيناغ الأمازيغية.

لقد حمل العرض أيضا العديد من الرموز والزخرفات بما لها من أهمية في الثقافة الجزائرية، خصوصا أنها تتجاوز بوجودها البعد الجمالي لتحمل بين دفاتها معان معبقة بالتاريخ والأصالة والتقاليد والعادات الجزائرية الضاربة في القدم، علاوة على أنها مصدر إلهام في حياة الجزائريين اليوم.وتبرز هنا خصوصا النجمة ذات الخمس فروع والهلال والحلقات بمختلف ألوانها والتي ترمز كل واحدة منها لحقبة من حقب التاريخ الجزائري، وكذا المنمنمات الجزائرية الشهيرة والفسيفساء والعمارة، وأيضا الأبواب بما تحمله من معان ورموز ثقافية وتاريخية ولكونها أيضا تمثل الضيافة والترحاب بالأشقاء العرب.

ولأن الأبواب تمثل كذلك مدخل وفواصل كل مشاهد هذا العرض، فإنها تصميمها حمل أيضا العديد من الفنون الجزائرية المتوارثة على غرار الزخارف الهندسية والنباتية والزليج والخط العربي وفن الأرابيسك والنحت والنقش والحدادة الفنية والعديد من الإكسسوارات التي تعكس خصوصية كل منطقة من مناطق الجزائر.

عرض “صميم” من إنتاج الديوان الوطني للثقافة والإعلام، وقد عاد التأليف والتلحين الموسيقي فيه لطارق قادم، والنصوص والأشعار لكل من بوعرفة مختارية وموسى نون وإيمان بلعالم، والإشراف على الكوريغرافيا لفريد حوش، في حين أشرف على تصميم الملابس نصيرة خطاب وترأس ورشة السينوغرافيا ابراهيم ولد طاطا وعنتر بوعزيز.وتتواصل فعاليات الدورة ال15 للألعاب الرياضية العربية بالجزائر، التي تعقد تحت شعار “بالرياضة نرتقي وفي الجزائر نلتقي”، إلى غاية 15 يوليو الجاري، وبالإضافة إلى العاصمة ستنظم فعالياتها أيضا بكل من وهران وتيبازة وقسنطينة وعنابة.ويشارك في هذه التظاهرة قرابة 2000 رياضي ورياضية من 21 بلدا.

ق.ث/الوكالات

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى