
السياسي والاقتصادي الليبي “أشرف الثلثي”،:”ليبيا تتعافى والمنطقة المغاربية بحاجة إلى التكتل وإلا مصيرنا التفتت”
لازالت ليبيا لم تتعاف من جراحها بعد، فرغم نجاح أبنائها في تشكيل حكومة وحدة وطنية، وانطلاق عملها على أرض الميدان، إلا أن الكثير من العراقيل تقف عائقا أمامها، لاسيما ما تعلق بالعلاقات الخارجية، في ظل التواجد الأجنبي منذ إسقاط نظام معمر القذافي، وانتشار الميليشيات والمرتزقة وفوضى السلاح، وتهافت مختلف القوى الدولية على الانتفاع بخيرات ليبيا، خاصة موارد النفط وباقي المناجم. وفي غياب مؤسسات دولة وقوى سياسية ليبية خالصة تساهم في الانطلاقة نحو مستقبل واعد، يسعى الليبيون إلى التحضير لتنظيم انتخابات رئاسية في ديسمبر القادم، لتأسيس نظام حكم جديد يؤسس لدولة المؤسسات، بمشاركة الجميع دون إقصاء أو تصفية حسابات. وللاطلاع أكثر على الوضع الليبي وما يدور بمحيطه، أجرت يومية “منبر القراء”، حوارا مع السياسي والاقتصادي الليبي “أشرف الثلثي” باعتبارهفاعلا مهما في الشأن الليبي ومرشحا لخوض غمار الرئاسيات الليبية المقبلة، فكان الحوار التالي:
الكثير يعرف ليبيا القذافي، لكنه يجهل وضعها قبله. هل ممكن أن تحدثنا قليلا عن ليبيا قبل القذافي؟
استقلت ليبيا المستعمر الإيطالي في 24 ديسمبر 1951، بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة، وكانت دولة ناشئة، تفتقد للعديد من الموارد الطبيعية والاقتصادية، ولكن كان آنذاك دستور متطور جدا، هذا الدستور وحّد الأقاليم الليبية الثلاث طرابلس، برقة وفزان. وكان النظام آنذاك فدرالي وكان الاسم الرسمي لليبيا وقتها المملكة الليبية المتحدة، ثم في 1963 تم تعديل الحكم بليبيا، من نظام فدرالي إلى نظام غير فدرالي وأصبحت المملكة الليبية، قام الملك ادريس رحمه الله بإصدار مرسوم ملكي يعدل هذا الاسم فطعن فيه، بحكم فقدانه للشرعية الدستورية، فقبل الملك هذا الطعن، وتم التعديل بموجب تعديل للدستور أو على أحد المواد الدستورية لتعديل الاسم ونظام الحكم، فكانت ليبيا فقيرة، ومع اكتشاف النفط في نهاية الخمسينات وبالضبط 1956، 1957 حيث تمتعت بأول عائدات النفط في نهاية 1962، 1963، أصبحت ليبيا مصدرة للنفط، بعد هذه السنوات أصبح الوضع منتعشا ووجود مخططات تنموية. فاهتم الملك ادريس بقطاعات التربية، الصحة، التعليم والإسكان. وكان نوعا من الاستقرار والانتعاش خاصة بعد 1963، فكانت تنتعش وتزهر في ظل مصداقية الحكومة وقتها، بعد نجاحها في توحيد الأقاليم الليبية، بعد الاستعمار الإيطالي، حيث قال الملك ادريس كلمته المشهورة: “حتحات اللي فات”، ويقصد بها نهاية العنصرية والكراهية، فرأبت الصدع بين الأقاليم والقبائل الليبية. وبدأت ليبيا صفحة ناصعة جديدة، لكنها انتهت بانقلاب ما يعرف بـ 1 سبتمبر بقيادة الملازم الأول معمر القذافي.
كيف وصل القذافي لحكم ليبيا؟
للأسف وصل القذافي للسلطة بانقلاب عسكري في 1 سبتمبر 1969، علما أن ضابطا في الجيش الليبي، قام بهذا الانقلاب العسكري، من معسكر في مدينة بن غازي واعتقد اسمه “قاريونس” بقوة السلاح سير على الإذاعة الليبية والتلفزة والمراكز الحيوية المتمثلة في البري، البرق والهاتف.
الملك ادريس آنذاك كان يحاول تسليم السلطة للمدنيين ابحكم، لأنه كان يعاني من مشاكل صحية وكان خارج البلاد في رحلة بحرية، لأنه لا يحبذ ركوب الطائرة، فكان في سفينة بحرية متوجها من تركيا إلى اليونان بغرض العلاج. وقدم استقالته لمجلس الأمة وقتها رغم رفض الليبيين استقالته بحكم أنه رمز الوحدة الليبية، فاستغل القذافي الظروف المجتمعة اضافة الى خيانته للعهد، حيث كان ضباط الجيش يقسمون ويؤدون القسم للحفاظ على المملكة والدستور الليبي، وتم هذا الانقلاب. ورأينا حكم القبضة الحديدية وما وصلنا إليه تحت هذا الحكم، والديكتاتورية والشمولية بدرجة أولى.
ليبيا تضم عشائر وقبائل، نجح القذافي في توحيدها تحت راية الجماهيرية الليبية، ما سر نجاحه؟
في حقيقة الأمر، القذافي لم ينجح في التوحيد بالعكس هو مارس سياسة فرق تسد، لكن القبضة الحديدية ونظام المخابرات القوي، الذي امتاز به نظامه هو من جعل هذه السيطرة. وأما ما يعرف بالجماهيرية، عند قيامه بالانقلاب، عطل العمل بالدستور ونظام الحكم الملكي وأعلن الجمهورية العربية آنذاك، التي جاءت مع فترة متقدمة وهي حكم الشعب وإلغاء المؤسسات والفوضى الشعبية، وهو ما أراه شخصيا ونحن نجني ثماره، بعد محاربة المؤسسات القائمة في العهد الملكي. فالنظام الجماهيري قائم على الكتاب الأخضر، وهو كتيب هزيل في حقيقة الأمر له 3 فصول، فصل سياسي، اقتصادي واجتماعي، وهي أفكار هزيلة ومزيج من الشيوعية، اليسارية، الماركسية والاشتراكية. وضخ فيها ملايين من أموال الشعب للدعاية والبراباغاندا وترجمته إلى لغات العالم ، كما كان لديه ما يعرف باللجان الثورية. لكن هذه الأفكار الهزيلة انتهت بانتهائه، لأنها لم تكن قائمة على أي أساس أو اقتناع، بل قائمة على مفهوم الترهيب والترغيب. كانت ليبيا مستقرة شأنها شأن أي دولة حكمها شمولي، لكن عندما سقط النظام، مظهر المظالم والتهميش أصبح واضحا وجليا، وما يعرف بالفكر الأحادي. كما كان هناك آلاف السجناء الليبيين لكل من عارضه، وأحيانا التعذيب والتشريد وحتى الملاحقة بالخارج والتصفيات الجسدية، فلم يكن القذافي ناجحا في توحيد أو في تضامن الليبيين، بل حكم 42 سنة بقوة النظام الاستخباراتي القوي.
بعد رحيله، عادت بوادر الانقسام إلى الواجهة، وبتدخل الأجانب أضحى الخطر مضاعفا. ماهي خطتكم كليبيين لتخطي هذا العائق الكبير؟
هذه حقيقة لأنه كان هناك نظاما مركزيا تسيره طرابلس العاصمة والسلاح منحصر في جهة واحدة والذخيرة في جهة أخرى، وكان الأمن الأولوية القصوى للنظام. وبانهيار مصادر القوة، أصبح تدخل الأجنبي سافرا وواضحا للجميع، أمام عدم وجود أحزاب أو قادة أو مؤسسات وطنية تدافع على سيادة الدولة. وما تعرضنا له من حروب أهلية وانتشار فوضى السلاح وتفشي الميليشيات، وكذلك واستغلال ضعف أجهزة الدولة، أدى إلى هذا التصادم للوصول إلى السلطة والانقضاض على الثروة. هذه هي الحرب بليبيا، لا نمتلك ايديولوجيات، الصراع واضحا وضوح الشمس، هو صراع بغرض الوصول إلى السلطة للتمكن من الثروة الهائلة التي تزخر بها ليبيا.
فالوضع فيه تحديات جسام، يعاني من عدم استقرار الحكومات السابقة لأنها ضعيفة، لم تكن حكومات مسيسة أو قادرة على التخاطب مع الشعب وترسيخ وضمان استمرار وحدة البلاد. فالتحدي هو وجود شخصيات سياسية على المشهد الجديد، ونأمل أن يحقق الاستحقاق الإنتخابي القادم هذا الهدف المنشود، لبناء ليبيا قوية، وتجسيد نظام الحكم في ليبيا عبر نظام برلماني رئاسي أو رئاسي، وتكون فيه نظام المحافظات حتى لا نعود إلى المركزية المقيتة، وتصبح كل محافظة في ليبيا لديها ميزانيتها ولها برامجها ومشاريعها، إضافة إلى ترسيخ العدالة في توزيع العائدات النفطية على كل المناطق الليبية.
هل ستشهد ليبيا نظام حكم مغاير للنظام الجماهيري؟ في حال تم تغييره، ما هو نظام الحكم المناسب في نظركم؟
ما يعرف بالنظام الجماهيري هو إحدى خزعبلات النظام السابق، ولا يوجد في العالم نظام اسمه النظام الجماهيري، حيث أنه نظاما قائما على الأوهام والشعب يحكم نفسه، لكننا نجد هناك مجموعة أو حكومة مصغرة خفية، هي التي تدير كافة الأمور، فكان نظاما خياليا ونظام ذر الرماد في عيون الشعب، ومعظم الناس يعرف هذه الحقائق. فالنظام الجديد أكيد يكون قائم على الديمقراطية الدستورية وفصل السطات التشريعية، التنفيذية والقضائية وأيضا السلطة الرابعة وهي الإعلام، فهذا هو النظام الذي نسعى لتحقيقه عبر صندوق الانتخابات خلال الاستحقاق الرئاسي القادم في 24 ديسمبر 2021.
ما هو تفسيركم لما يحدث بليبيا بشأن الدعوة لاستقالة وزيرة الخارجية وبعض كوادر الحكومة، عقب تصريحاتها المناوئة لتركيا؟
أعتبر من يدعو إلى استقالة وزيرة الخارجية “نجلاء المنقوش”، لا يرى ما تسعى إليه الوزيرة، بليبيا هناك مرتزقة دخلوا خلسة بطريقة غير شرعية، هناك قوات أجنبية متمثلة في تركيا، فتركيا أبرمت اتفاقا للدعم العسكري والأمني مع حكومة الوفاق السابقة، وهذه الاتفاقية ليست قرآنا منزلا، بل هي قابلة للإلغاء متى توفرت الظروف لإلغائها أو تعديلها. أنا شخصيا أرفض تواجد أية قوات مهما كان شكلها، لكن الظروف التي مرت بها ليبيا اضطرت الحكومة السابقة إلى أن تلجأ إلى القوات الأجنبية مهما كانت صفتها. فحقيقة الوزيرة تقوم بواجب وطني هو ترجمة لحكومة الوحدة الوطنية التي تسير حثيثا نحو هذه الأهداف، علينا ألا نستبق النتائج، فهناك تحديات جسام على الأرض والوضع السياسي شائك جدا، الوضع الأمني العسكري والاقتصادي أيضا. فعلى كل الأطراف أن تفهم أن كل متفرج فنان، وما تقوم به الوزيرة حاليا هو العمل الصحيح الذي نأمل أن يقودنا إلى احترام الإستحقاق الإنتخابي القادم.
زار مؤخرا رئيس الحكومة “دبيبة” تركيا على رأس وفد وزاري مهم، تم خلالها الإمضاء على مجموعة اتفاقيات استثمارية بميزانية ضخمة. هل هذه المشاريع مقترحات “دبيبة” أم كانت مجمدة وتم تحيينها ؟
زيارة رئيس الحكومة إلى تركيا، كانت زيارة هامة، عندما انطلقت ثورة 17 فبراير، كان هناك حجم تعاقدات لمشاريع مع الدولة الليبية يقدر بـ 26 مليار دولار، معظم هذه المشاريع كانت مشاريع بنية تحتية وسكنية. أوقفت نتيجة عدم الاستقرار، ولم ترجع الشركات التركية لاستئناف اعمالها. وذهاب السيد “دبيبة” فعّل هذه الاتفاقيات والعقود، أيضا الدولة التركية مهتمة جدا بالعمل في السوق الليبية، والحصول على أكبر حجم من التعاقدات. فالأتراك لديهم آليات ولديهم طرق في اختراق السوق الليبية، ولديهم أساليب قوية لإيجاد موضع قدم. وأيضا القيادة التركية تدعم رجال أعمالها وشركاتها فتركيا لها ثقلها في السوق الليبية.
هل يمكن القول أن ليبيا أصبحت تملك مؤسسات دولة سيادية أم أنها لازالت لم تتخلص بعد من سطوة الدول الاجنبية ؟
للأسف لازالت السيادة الليبية ضعيفة، وذلك يترجم في شكل وجود قوات مرتزقة متعددة منتشرة في البلاد. كما أن انفصال أي جزء من المؤسسة العسكرية شرقا وغربا، يضعف من السيادة الوطنية. نأمل أن تتمكن حكومة الوحدة الوطنية من تضييق الفجوة بين هذه المؤسسات، وعلى رأسها توحيد المؤسسات الاقتصادية. وأهمه البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، وكذلك توحيد الجيش الليبي وتوحيد السياسة الخارجية الليبية. فهذه تحديات لازالت قائمة، نأمل من الحكومة الحالية أن تركز عليها. والآن هناك مساعي جيدة في مدة قصيرة، وان شاء الله نصل إلى بر الأمان، عبر طريق تحديد موعد أو الاحترام للموعد الذي حدد للاستحقاق الانتخابي المقرر في نهاية السنة.
ليبيا تواصل تضميد جراحها، وتوحيد شعبها وسياسييها وعسكرييها، بعد سنوات من التمزيق. هل بدأ شبح الإنفصال بالتلاشي؟
نعم ليبيا تضمد جراحها، وتستعد إلى توحيد أقاليمها، لكن شبح الانفصال لم يكن واردا. نحن دائما نتحدث عن نظام الحكم، وأنه يكون اتحاديا فدراليا ولكن الانفصال لا، لأن ليبيا لا يمكن أن تنفصل كونها جسدا واحدا، مثلا أنا أصلي من المنطقة الشرقية من إقليم “برقة” وأعيش في “طرابلس”، منذ كان عمري شهر. حيث أتى والدي بعد تعديل نظام الحكم في 1963، من نظام فدرالي إلى نظام غير فدرالي، فأصبحت العاصمة طرابلس وانتهى نظام المملكة المتحدة آنذاك. فهناك روابط وأسر وقبائل وعائلات ممتدة في ليبيا، لا يمكن أن تفصل ليبيا. هل تلاشى؟ حسب سؤالك، هو أصلا متلاشي. ولكن واجهت مشاكل كبيرة حصلت، فصلت القيادات السياسية، أنا أعتبرها قيادات فاشلة، لأنها لم تتمتع بالقدرة والمرونة اللازمتين، من أجل تحدي العقبات والتحديات التي واجهت الحكومات، سواء في الشرق أو الغرب. ضعف هذه الحكومات، وعدم تمرسها من الناحية السياسية، أدى بالبلاد إلى هذا الوضع، سواء من حيث الجمود أو التصادم الذي شاهدناه منذ أكثر من سنتين.
…..يتبع
حاورته: ميمي قـلان