جنوب افريقيا: إحياء الذكرى الـ 30 لإلغاء نظام الفصل العنصري في البلاد
أحيت جنوب إفريقيا، يوم الأربعاء، الذكرى الثلاثين، لإلغاء نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) في البلاد، الذي ساد طيلة 43 سنة، حكمت خلالها الأقلية البيضاء المنحدرة من أصول أوروبية، الأغلبية من أصحاب البشرة السوداء المنحدرين من أصول افريقية وهندية، وفق منهج إقصائي.
وامتد نظام الفصل العنصري أو الأبارتايد في جنوب افريقيا من سنة 1948 الى1991, إلا أن جذوره تمتد إلى سنة 1913, أي عقب استقلال جنوب افريقيا بثلاث سنوات, حيث تم إقرار ما يعرف بقانون الأراضي, وهو أول قوانين التمييز العنصري, إذ نص على إجبار الأفارقة ذوي البشرة السوداء على العيش في محميات منفصلة عن البيض, وحرمهم من بعض حقوق العمل.
وبرزت مظاهر الأبارتايد جليا, بعد الحرب العالمية الثانية والكساد العظيم, أين ساد الاعتقاد لدى فئة من السياسيين البيض, بأنه بإمكان هذا النظام تحسين أحوال البلاد الاقتصادية, من خلال اعطاء الحق للأقلية “الأرقى عرقا” في الهيمنة على كل موارد الدولة ومقدراتها وجميع ثرواتها وحتى الأرض, ومنع الأغلبية “الأدنى عرقا” – وهم السكان الأصليون- حتى من حق الانتخاب.
وتمكن الحزب الوطني من الفوز في انتخابات 1948, ورفع شعار الأبارتايد, والذي يعني حرفيا الفصل العنصري, وسنتين بعدها تم حظر الزواج بين البيض وأي أشخاص من أعراقٍ أخرى, وأصدرت الحكومة قانونا جديدا صنف مواطني جنوب إفريقيا حسب العرق إلى ثلاثة أصناف, هي البانتو ويقصد به الأفارقة السود, والملونين ويقصد به العرق المختلط, وأخيرا البيض, ثم أضيف صنف رابع هو الآسيوي ويقصد به كل من ينحدر من أصول هندية أو باكستانية.كما تم إقرار العديد من القوانين لصالح الأقلية البيضاء, ابتداء من قانون الأراضي الذي جعل أكثر من 80 في المئة من موارد البلاد تحت سيطرة وإدارة البيض, وقانون المرور الذي يسمح للبيض بالتجوال في كل المناطق, بينما يحظر على باقي الأعراق دخول مناطق وأماكن معينة, وصولا إلى إنشاء مرافق عامة خاصة بهم.
وأدت شدة التقييد الانفجار, انطلقت باحتجاجات سلمية في 1956, حين تظاهرت أكثر من 20 ألف امرأة من جميع الأعراق, احتجاجا على مفرزات قانون المرور السلبية على المواطنين.وقام الأفارقة ذوو البشرة السوداء بمناهضة نظام الابارتايد, وشكلوا حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والمؤتمر الإفريقي, اللذان دعيا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تسيطر عليها الأغلبية في جنوب إفريقيا.
وتكررت الاحتجاجات عام 1960 بدعوة من الجماعات والأحزاب المناهضة للفصل العنصري, في مدينة شاربفيل, بهدف الاحتجاج السلمي, إلا أن قوات الأمن والشرطة تصدت للمحتجين وأطلقت عليهم النار, ما أدى إلى سقوط 69 مواطنا أسودا وإصابة أكثر من 180 آخرين, والتي كانت محطة مفصلية في نضال نيسلون مانديلا.وشكلت مجزرة شاربفيل منعرجا في مسار المحامي والناشط الحزبي نيلسون مانديلا, وكفاحه, وهو الذي اعتقل للمرة الأولى عام 1956, فقرر انتهاج مسلك مغاير لذلك الذي كان يعتمده, فقرر انتهاج الكفاح المسلح عبر إنشاء الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الإفريقي, الذي كان زعيمه, مستفيدا من تجارب الثورات والثوريين في أفريقيا الوسطى وشمال افريقيا, وعلى رأسهم تجربة الثورة الجزائرية.
اعتقل نظام بريتوريا في 1962 مانديلا مرة أخرى, وقضى سبعة وعشرين عاما في السجن, ورفض الخروج بصفقة غير منصفة, وهو الذي آمن بشعبه وبحريتهم.
وفي نهاية عقد الثمانينيات كان نظام الأبارتايد يحتضر جراء حصار دولي خانق, وتعبئة شعبية أفريقية وعالمية ضده, جعلت أهم حلفائه (الحكومة البريطانية) عاجزة عن مساعدته, فتواصلت سلطات بريتوريا سريا بالزعيم مانديلا وزعامات المؤتمر الوطني, إلا أنه رفض التفاوض وهو سجين.وعقب سنوات من الاتصالات, غادر مانديلا ورفاقه السجن, في 11 فبراير1990, وهو القائل “في السجن تصبح الذاكرة خليلا وعدوا في آن واحد”, ليطلق الجانبان مفاوضات سياسية توجت بإلغاء الفصل العنصري في يونيو 1990, بعد أن قررت حكومة دي كليرك إسقاط ما تبقى من قوانين التمييز العنصري.
وفي أكتوبر 1993, قررت لجنة جائزة نوبل للسلام تكريم الأيقونة الافريقية مانديلا الذي أكد أنه “من السهل أن تكسر وتدمر, لكن الأبطال هم أولئك الذين يبنون ويصنعون السلام”, ولرئيس جنوب أفريقيا فريدريك دي كليرك, في آن واحد, عرفانا بدورهما في المسار الذي شقته البلاد على طريق المصالحة, وطي حقبة التمييز العنصري المظلمة.وتمت الدعوة الى تنظيم انتخابات تعددية, هي الأولى في تاريخ جنوب افريقيا, جرت في أبريل 1994, وفاز بها المؤتمر الوطني الأفريقي وزعيمه نيلسون مانديلا, الذي قال “أبدا لنم تشهد هذه الأرض الجميلة مرة أخرى إضطهاد البعض للآخرين”, وأكمل مسيرة التحرر والديمقراطية زعيما لكافة أطياف شعبه الذي اختاره.