حكم العثمانيين للجزائر و إدارة البايات والباشاوات لشؤون تسييرها
بعد الإنتصار الذي حققه خير الدين علي الجيوش الإسبانية، بسط حكمه علي الجزائر وما والها. فتقوي وإنتشر صيته مثلما إنتشر صيت أخيه عروج بل زاد أكثر . فأرسل إلي السلطان العثماني سليمان القانوني ، يعبر عن بيعته له ومستنجدا به كذلك. فقبل السلطان مبايعة خير الدين ، فتولي إمارة الجزائر (خير الدين ) وشرع من ذلك الحين يدعوا في الصلوات للخليفة ، وأصبحت الجزائر خاضعة للحكم العثماني ،فيولي الخليفة عليها البايات والباشاوات .
خير الدين الذي سمي أيضا الأخضر أو الخضر وكما سماه الإفرنج 《بارباروسة》أي اللحية الشقراء . بدأ يفكر في الخروج من الجزائر والإغارة علي العدو . وذلك بسبب الجوسسة التي كانت بالجزائر، ومحاولات خلق الفوضى بكثرة القيل والقال ونشر الأخبار الفاسدة ، وتدبير الانقلابات من طرف عملاء العرب موظفين عند الإسبان ومنهم منخرط في الجيش .بعدما قسم خير الدين الجزائر إلي قسمين :قسم شرقي يشمل البلاد القبائلية الجبلية من شرقي العاصمة الجزائرية إلي الحدود المملكة الحفصية التونسية فولي عليها أحمد بن القاضي أميرا عليها فسمي سلطان كوكو . وقسم الغربي، الممتد من الجزائر إلي حدود دولة بني زيان،وعين عليها محمد بن علي .
وكان السلطان الحفصي يخشي إستقرار الحكم التركي بالمغرب الأوسط وتوسعه علي المغرب الأدني، فأصبح يثير الدسائس مثلما يفعل السلطان الزياني .في ظل هذه الأوضاع والمشاكل إنسحب خير الدين من الجزائر وإلتجأ إلي جيجل حتي يستمر في جهاده ، خاصة بعد ما حدث في الشرق لما تمرد أحمد بن القاضي علي خير الدين وشق عصا الطاعة ،فبايع سلطان تونس الحفصي عبد العزيز. وكذلك في الغرب أصبح خير الدين لا يثق بوعود وطاعة السلطان الزياني عبدالله ، لأنه كان كثيرا ما ينكث البيعة.
جمع أحمد إبن القاضي جيوشا هامة توجه بها إلي الجزائر، فحاصرها وضيق علي خير الدين الذي أخلا المدينة وغادر نحو جيجل كما ذكرنا سابقا . (ذكر ذلك أحمد توفيق مدني وصاحب كتاب تحفة الزائر)ويروي المؤرخ 《دي قرامون》قصة حسب ما يملك من وثائق يقول : أن سلطان تونس تآمر سرا مع إبن القاضي وإتفقا علي مقاتلة جيوش خير الدين أثناء إحتلال البلاد القبائلية .وكان خير الدين يعتقد أن جيش إبن القاضي عازم علي رد غارة الحفصيين رفقة جيش الأتراك. لكان سرعان ما إنقلب جنود إبن القاضي علي جيش الأتراك والجزائرين فوقعوا بين الحفصيين وجيش إبن القاضي فقتلوا عن آخرهم بفعل هذه الخدعة ، لكن خير الدين نجا من هذه المكيدة وفر إلي جيجل رفقة بعض رجاله.
فتحكم إبن قاضي في زمام حكم الجزائر ونصب الإدارة وساس البلاد ودام حكمه ستة سنوات من سنة 1521م إلي غاية 1527م .بينما خير الدين كان مستقر تارة في جيجل وتارة أخري بجزيرة جربة يقوم بغارات علي شواطئ الإسبانية والإيطالية يسبي ويغنم الغنائم بمساعدة الأتراك وأهل الأندلس والمسحيين المعتنقين للإسلام .حاصر عنابة لكنه لم يحتلها ، ولا زال يغزوا السواحل الإسبانية والايطالية حتي جمع عدد من السفن ليهجم بها علي الجزائر إذ كان مراده إسترجاع المدينة وتكوين جيش وأسطول جديدين.
عودة مدينة الجزائر لحكم خير الدين ومصرع إبن القاضي
حاصر خير الدين الجزائر وضيق علي إبن القاضي هذا الأخير بعد عدم صموده أمام جيش خير الدين فر إلي ثنية بني عائشة ببلاد القبائل . بينما كان إبن القاضي مرابطا بها وإذا ببعض أنصاره قاموا بقتله ليسترحوا من الفتنة والتفرقة ، وأن المستفيد الوحيد من هذه الحرب الأخوية هم الإسبان وكان ذلك سنة 1527م حسب ماجاء به أحمد توفيق المدني وهناك من يري أن حادثة قتل إبن القاضي ربما كانت تدبير وتحريض من خير الدين .وبعد أن إسترجع خير الدين مدينة الجزائر دخلها وسط إحتفال سكانها برجوعه وذلك بسبب السياسة الغليضة القاسية التي عاملهم بها إبن القاضي. فأصبح خير الدين علي رأس دولة قوية وشعب مجاهد عازم علي تحرير ما بقي من البلاد الإسلامية التي مازالت تحت الراية الصليبية.
بقلم: بركان كراشاي هارون