حمى البحر “الحيفاوي” يمثل فلسطين في الأوسكار 2023
“حمى البحر المتوسط” لا تحمل من أعراضها شيئا في فيلم المخرجة الفلسطينية مها الحاج، فقد استبدلتها بالكآبة وانسداد الأفق لبطل الفيلم “وليد” بالرغم من اتساع بحر حيفا المقابل لبيته.
يلتقي بطل الفيلم “وليد” (الكاتب المثقف الفاشل) مع “جلال” (الجاهل المحتال) بعد انتقال الأخير للسكن بالشقة المجاورة. ورغم المسافة الفكرية الكبيرة بينهما، فإن أحداث الفيلم تجمعهما على قاعدة تشابه ظروفهما الاجتماعية، فكلاهما عاطل عن العمل بينما تعمل زوجتاهما خارج البيت.
ومع تطور هذه الأحداث، تبدأ صداقة قوية بين الرجلين تختفي خلالها الفوارق الفكرية، ويبدأ كل منهما بإعادة اكتشاف نفسه من خلال الآخر، ويربط هذه الأحداث حوار بلغة بسيطة جدا بينهما، ولكنه بالعمق الذي يطرح كثيرا من الأسئلة الوجودية لكليهما.
واختارت وزارة الثقافة الفلسطينية فيلم “حمى البحر المتوسط”، الذي يقدم قصة إنسانية، ليمثل فلسطين في جوائز أكاديمية التمثيل العالمية “الأوسكار” لعام 2023.ورغم أن الفيلم يتناول خيبات وأزمات اجتماعية ونفسية وذاتية للبطلين -اللذين يقوم بدورهما عامر حليحل وأشرف فرح- فإن المُشاهد يستطيع أن يصل إلى أن كل هذه الأزمات ناتجة عن صعوبات الحياة تحت الاحتلال، الذي ينعكس ظله بشكل مباشر على كينونة المكان وشخوصه.
واختارت مخرجة وكاتبة الفيلم مها الحاج التصوير في مدينة حيفا بالداخل الفلسطيني المحتل، لجمالية المدينة الواقعة على البحر المتوسط، التي تتجلى في الفيلم بمشاهد البحر والأحياء التاريخية، ومن جهة أخرى، توافق هذا الاختيار مع جغرافيا المدينة التي تتناسب مع محتوى الفيلم.فالتناقض بين سعة البحر وحالة الهشاشة في شخصية بطل الفيلم “وليد”، الذي يقضي يومه أمام البحر المفتوح، يظهر عمق كآبته التي كانت أقوى من كل جماليات المكان، وكأنه حبس نفسه داخل حبس ذاتي.
ويعد سيناريو “حمى البحر المتوسط” المعالج بسردية غير نمطية سببا في ترشيحه من قبل لجنة الاختيار التي شكلتها وزارة الثقافة الفلسطينية لتمثيل فلسطين في الأوسكار، وفقا لرئيسة اللجنة لينا البخاري.وتتابع البخاري -في حديثها للجزيرة نت- أن “السيناريو كتب بلغة سينمائية متقدمة وغير نمطية، وما يصل للمشاهد بين الكلمات أكثر مما يحكى، وهو ما يشير إلى نضج في التعاطي السينمائي خلال إخراج الفيلم”.
وترى البخاري في فيلم المخرجة مها الحاج -وهي من مدينة الناصرة بالداخل المحتل- إضافة رافعة لقيمته، فثقل الاحتلال الحاضر في الفيلم بشكل غير مباشر، يحمله كل فلسطيني -في فلسطين وخارجها- على ظهره، إذ إننا “نتعاطى مع أي عمل ثقافي فلسطيني أينما ووجد، ما دام أنه يعبر عن حالة وجودية تمس كينونة الفلسطيني”.
وحسب البخاري، فإن اختيار اللجنة يأخذ بعين الاعتبار الجودة الفنية والبناء الدرامي وغيرها من العناصر الإنتاج الفني، والأهم أنه يستطيع مخاطبة الجمهور الدولي.
توافق الحاج البخاري في أن الفيلم يقدم أزمة إنسانية بنكهة فلسطينية، وتقول إنها تعتقد أن سبب اختيار فيلمها هو تقديمه لقصة إنسانية يمكن أن تحدث في أي مكان في العالم، حتى لو كانت صبغتها فلسطينية.وتؤكد الحاج أن شخصيات وأحداث الفيلم خيالية بالمطلق، لكنها واقعية لدرجة أنها قد تكون موجودة طوال الوقت في كل مكان حولنا.
وعرضت الحاج “حمى البحر المتوسط” لأول مرة في مهرجان كان السينمائي في دورته الـ75 ماي الفائت، وحاز على جائزة أفضل سيناريو في مسابقة “نظرة ما” التي تقام ضمن فعاليات المهرجان.توالت عروض الفيلم في مهرجانات دولية عديدة، ولكن عرضه المحلي الأول في فلسطين سيكون في نوفمبر ، إذ اختير ليكون فيلم الافتتاح في أيام فلسطين سينمائية.
وحول توقعات وصول الفيلم إلى قائمة الأفلام القصيرة -التي تتكون من 5 أفلام تتنافس خلال مهرجان الأوسكار- قالت الحاج “أتمنى ذلك، ولكن ما يهمني أكثر هو وصول رسالة الفيلم للعالم”.