رويشد……… الفنان الذي خلد اسمه في ذاكرة الفن الجزائري
يعد الفنان الراحل أحمد عياد، المعروف برويشد، إسما راسخا في ذاكرة الفن الجزائري بفضل ما قدمه من أعمال مسرحية وسينمائية خالدة فجرت مواهبه التمثيلية وخصوصا في الكوميديا، وقد ساعدته عفويته وخفة روحه وكذا حضوره المتفرد المستمد من عمق مجتمعه ومحيطه العاصمي من أن يتبوأ مكانة كبيرة لدى الجمهور.
لا يزال رويشد وإلى اليوم يمتع الجزائريين في كل مرة تقدم فيها أعماله. فهو “فنان متكامل” كما يوصف في الوسط الفني استطاع بفضل طاقاته الأدائية أن يطبع المسرح والسينما بالخصوص ببصمته وبأفلامه الكوميدية التي شكلت علامة فارقة في تاريخ الفن السابع الجزائري في عصره الذهبي.
ولد أحمد عياد في 20 أبريل 1921 بالقصبة بالجزائر العاصمة، هذا الحي العتيق الذي شهد ميلاد نخبة من عمالقة الفن والنضال الجزائري.كان فنانا عصاميا إذ لم يتلق أي دروس في التمثيل وقد لقب ب “رويشد” لارتباطه الروحي بالممثل الراحل رشيد قسنطيني.
بدأ الفنان مشواره أواخر الثلاثينات بدور في مسرحية لمحبوب اسطمبولي عرضت بقاعة الأطلس بحي باب الواد ليتميز بعدها وعلى مدار عقود في أدوار مختلفة على خشبة المسرح والسينما والتلفزيون والاذاعة والأغنية الفكاهية.وأدى رويشد في بداية الأربعينات أدوارا صغيرة في بعض المسرحيات مثل “بوه على الرشيد” و”خابزة” ضمن فرقة “رضا باي” للمسرح الهاوي بالعاصمة.وبدعوة من محي الدين بشطارزي الذي كان يدير فرقة “المسرح العربي” بقاعة الأوبرا بالعاصمة، انضم إلى هذه الفرقة في 1942 وقد مثل في عدة مسرحيات.
وفي سنة 1949 ، انضم إلى فرقة “محمد الرازي” حيث مثل إلى جانب الفنان حسان الحسني في مسرحيات كثيرة منها “مصائب بوزيد” و”بوزيد والجن” وغيرها.واستمرارا لمشروعه الفني، شرع الراحل بداية من عام 1953 في أداء بعض الأعمال الإذاعية الفكاهية القصيرة على غرار “الدراوشي” ليشرف بعدها على حصة أخرى باسم “اشرب واهرب”.
تميزت العديد من الأعمال المسرحية للراحل بالروح الوطنية ونظرا ل”انخراطه في النضال ضد المستعمر الفرنسي” فقد “تم الزج به في سجن سركاجي بالعاصمة لمدة عامين ونصف ثم بمركز اعتقال ببني مسوس لمدة ستة أشهر، وهذا ما بين عامي 1956 و1959″، حسب ما صرح به لوأج إبنه الفنان مصطفى عياد.
وبعد الاستقلال، انضم سنة 1963 إلى فرقة المسرح الوطني الجزائري ونال شهرة وشعبية واسعة من خلال أعمال مشهورة حيث قام بتأليف مسرحيتي “حسان طيرو” (1963) و”البوابون” (1970) وهما من إخراج الراحل مصطفى كاتب. كما ألف مسرحية “الغولة” التي أخرجها الفقيد عبد القادر علولة في 1964، إلى جانب تجربة تأليفه وإخراجه لمسرحية “آه يا حسان” (1978).
شارك رويشد بأعماله المسرحية في العديد من المهرجانات داخل الجزائر وخارجها وقد حاز في هذا الإطار عدة جوائز بمهرجانات مسرحية وخصوصا بتونس عن أعمال من قبيل “الغولة” و”البوابون” و”حسان طيرو”.غير أن موهبة هذا الفنان قد تجسدت أساسا في السينما. وقد كان فيلم “معركة الجزائر” (1966) للإيطالي جيللو بونتيكورفو أولى الأعمال التي شارك فيها، وهو فيلم جزائري-إيطالي حاز العديد من الجوائز الدولية أهمها “الأسد الذهبي” عن أحسن فيلم من مهرجان البندقية السينمائي بإيطاليا في 1996.
لقد جسد الفنان وببراعة العديد من نصوص أعماله المسرحية في أفلام سينمائية خالدة ميزت العصر الذهبي للسينما الجزائرية، وهي أعمال كوميدية اجتماعية أدى هو بطولتها ووقعها مخرجون كبار وبمشاركة أهم الممثلين الجزائريين ولعل من أشهرها “حسان طيرو” (1968) لمحمد لخضر حامينة.
يعتبر “حسان طيرو” العمل الأول في سلسلة أفلام “حسان” التي أدى بطولتها رويشد، وهو عمل تاريخي كوميدي يحكي عن رجل باسم حسان يرغم على احتضان مجاهد كبير ببيته هو محل بحث من المستعمر الفرنسي، وقد شاركه فيه عدد من كبار الممثلين.و قال مصطفى عياد أن هذا الفيلم “مأخوذ عن قصة حقيقية عاشها والده إبان الثورة التحريرية لما احتضن ببيته المجاهد أحمد بوزرينة الذي كان محل بحث من طرف السلطات الاستعمارية”.أفلام أخرى رفعت عاليا اسم رويشد في عالم الفن السابع من بينها “العفيون والعصا” لأحمد راشدي (1971) و”هروب حسان طيرو” للمخرج مصطفى بديع (1974) و”حسان طاكسي” لمحمد سليم رياض (1982) وكذا “حسان النية” لغوثي بن ددوش (1989) و”ميدالية لحسان” لحاج رحيم (1986) المقتبس عن مسرحية “البوابون”.
وشارك الراحل أيضا في بطولة أعمال أخرى على غرار “لافيش” (الملصقة/ 1983) لجمال فزاز و”ظلال بيضاء” (1991) لسعيد ولد خليفة.
لقد ترك الفنان وعلى مدار أكثر من 50 عاما من الفن والإبداع لمسته الفنية التي ميزته عن غيره من المبدعين الجزائريين. وقد بقي معطاء إلى آخر سنوات حياته، رغم أن الحظ لم يسعفه في تجسيد مشروع لسيناريو فيلم كان قد انتهى من كتابته أواخر الثمانينيات حمل عنوان “حسان في باريس”.وكان للراحل أيضا لمسته في التلفزيون من خلال مسلسل “كسكس بلادي” (2014) والذي تعود له فكرة السيناريو الخاصة به. كما صدر حوله مؤلفان الأول بعنوان “ذكريات رويشد: شهادة حية حول الجزائر المعاصرة” لرشيد سحنين، والثاني “رويشد: أبي، صديقي” لابنه الفنان مصطفى عياد.
و في 2017 تم منح لرويشد، الذي توفي في 28 يناير 1999، وسام الاستحقاق الوطني من مصف “عهيد” نظير جهوده في إثراء الثقافة والفن الجزائري.
ق.ث/الوكالات