
طبق “شباح الصفرة” يحضر في مختلف المناسبات و الأفراح و الأعياد الدينية بقسنطينة
يشتهر المطبخ القسنطيني بالطبق التقليدي “شباح الصفرة” ذي المذاق الحلو و الذي عادة ما يحضر في مختلف المناسبات و الأفراح و الأعياد الدينية و في رمضان ما يستدعي الترويج له عالميا وطرح فرضية تصنيفه كتراث.
و قال حسين طاوطاو, أستاذ و باحث في التاريخ, في حديث لوأج, أن إثبات أصل هذا الطبق المتوارث من الجدات إلى الأمهات بقسنطينة يحتمل العديد من الفرضيات التي تتطلب بحثا طويلا لنتمكن من إعداد ملف بغرض تصنيفه عالميا .
واعتبر ذات الأكاديمي أن تصنيف هذا الطبق يتطلب العديد من المراحل البحثية المبنية على الاستقصاء فيما ينفرد به عن باقي الأطباق المشابهة خاصة من حيث التركيبة, مشيرا على سبيل المثال إلى أن طبق الكسكسي لا يوجد إلا في شمال إفريقيا ما يجعله طبقا يخص سوى بلدان المغرب العربي.وأضاف الأستاذ طاوطاو, بخصوص وجود طبق “شباح الصفرة” في ولايات جزائرية أخرى, أنه قد يكون مأخوذا من الأصل و أضيفت إليه مكونات أو إنقاص أخرى ما يجعل تسميته تتغير، لكنه لاحظ في هذا السياق أنه لو كان فعلا نفس الطبق، فالسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتم تغيير تسميته.وأشار ذات الأكاديمي إلى أن الإجابة على العديد من الفرضيات بشأن هذا الطبق “يستوجب علينا القيام بعمل استقصائي بدرجة أولى من الناحية التاريخية و التحري الوثائقي بخصوص أصل هذا الطبق بالإضافة إلى عمل ميداني استبياني خاصة و أن هذا الطبق معروف بهذه المنطقة.”كما أكد المتحدث نفسه على ضرورة معرفة أصل المكونات الحقيقية التي تدخل في تحضيره من السكان الأصليين و العائلات العريقة التي ما تزال تحافظ على هذا الطبق التقليدي.و قال ذات الجامعي أيضا بأن “معرفة أصل هذا الطبق و المصادقة على أنه قسنطيني محض من الناحية التاريخية و كيفية ولوجه إلى الجزائر أو المغرب العربي أو شمال إفريقيا تتطلب العديد من الأبحاث المعمقة و المكثفة و الاستقصائية”.وبخصوص الروايات التي تهتم بأصل هذا الطبق عما إذا كان “عثمانيا” أو “أندلسيا”، ذكر المتحدث أن العثمانيين لم يأتوا إلى الجزائر بهدف التوطن, مقارنة بالأندلسيين الذين قدموا إلى الجزائر بعائلاتهم و حرفهم و ثقافاتهم و هو ما يرجح -حسبه- فرضية أن هذا الطبق قد ينسب إليهم.
من جهته، اعتبر أستاذ الطبخ في التكوين المهني، أكرم رسيم باي محمد صالح كستني, أن طبق “شباح الصفرة” أقدم بكثير من وجود العثمانيين في الجزائر، مضيفا أن الروايات المتداولة تفيد بأن عيشة باية هي التي حضرت حلوى بعجينة اللوز و السكر و لم تنجح في الوصفة و جعلتها طبق زينت به الصفرة، علما أن الآراء تتضارب عما إذا كانت عيشة باية ابنة صالح باي أو أخت الحاج العربي أحد الأعيان و طلبها صالح باي للزواج و رفض أخوها.
و أضاف المتحدث أن هذه القصة أعاد سردها الكثير من الطباخين في الكثير من الصفحات و على مواقع التواصل الإجتماعي، مشيرا إلى أن عيشة باية كانت مولعة بصناعة الحلويات و الطبخ و هي من عشاق بيت النوال (المطبخ).و قال أيضا:” “هناك العديد من الوصفات الأندلسية و حتى العباسية التي لازلنا ليومنا هذا نحضرها في مطابخنا الجزائرية و التي توارثناها عن أجدادنا لتزيين المائدة” و هي مذكورة -حسبه- في الكتب و المخطوطات القديمة على غرار الكتامية و المقرود من المطبخ الجزائري التي زينت المائدة الأندلسية ما يمكن القول أن المطبخ الجزائري هو وريث المطبخ الأندلسي و جزء منه و ليس العثماني, لأن المطبخ العثماني وريث العديد من المطابخ الفارسية و العباسية و الأندلسية.فأي مهتم بالطبخ يجد أن الأطباق القسنطينية مثلا هي نفسها المذكورة في كتاب الطبخ للبغدادي الذي يعتبر أكبر مرجع للطبخ لدى العثمانيين كون المطبخ العثماني أكثر المطابخ تأثراً بما حوله من مطابخ عريقة، يضيف المتحدث.
من جهتها, اعتبرت المختصة في الطبخ, حنان بوعاب, أن طبق “شباح الصفرة” التقليدي يحضر باللوز و السكر ثم يعجن و يشكل و يقلى مرتين ثم يضاف في مرق حلو يضم لحم و قرفة و زعفران و قرنفل و نجمة الأرض و يقدم في أغلب الأحيان في بداية أو منتصف رمضان و ليلة 27 من الشهر الفضيل أو في أواخره.و بالنظر إلى الشهرة التي يحظى بها هذا الطبق، دعت المتحدثة إلى ضرورة التفكير في طريقة تمكن من تصنيفه عالميا و ذلك من خلال الترويج له في مختلف المعارض و المسابقات الدولية للطبخ و كذا عبر الوسائط التكنولوجية المتاحة.و قالت أيضا:”إن ضرورة إدراج الأطباق الجزائرية التقليدية في المسابقات الدولية هي من أجل التعريف بها عوض المشاركة بأطباق أجنبية”، معتبرة أن الأطباق الجزائرية هي عرضة للسرقة خاصة من طرف محترفي الطبخ بدولة مجاورة.
الطبخ الجزائري من بين الأغنى في العالم
و يعتبر الطبخ الجزائري من بين الأغنى في العالم، لكنه لا يحظى -حسب السيدة بوعاب- بالاهتمام المطلوب رغم الجهود المبذولة من طرف بعض الطباخين الكبار الغيورين على تراثهم، مشيرة إلى ضرورة توحيد الجهود من أجل الترويج عالميا للطبخ الجزائري. فالمطبخ الجزائري, برأي هذه المختصة, يستحق بالنظر إلى ثرائه و تنوعه ليخرج إلى العالمية، مشيرة إلى أن هذه الميزة قليلا ما نجدها في بلدان أخرى.
و قالت السيدة بوعاب: “عندما كنت أطالع مواقع التواصل الاجتماعي, لفت انتباهي تقديم طبق “شباح الصفرة” الحلو القسنطيني العريق أن موطنه دولة مجاورة”، ما يحتم فضح هذه “السرقات” لحماية هذا التراث القسنطيني الأصيل الذي يعود, حسبها, للفترة العثمانية في الجزائر.و عن المهارة و الاحترافية التي يتميز بهما فنانو الطبخ الجزائريين, قالت المتحدثة أنهم برهنوا على ذلك من خلال تألقهم في مختلف المسابقات الدولية التي شاركوا فيها، مشيرة في هذا السياق إلى طبق “شباح الصفرة” الذي خطف الأضواء و نال العديد من الميداليات.
ق.ث/الوكالات