علاقة الظروف السياسية والاقتصادية بالدساتير الجزائرية موضوع إصدار جديد للباحث محمد سعيد بوسعدية
تناول الباحث محمد سعيد بوسعدية في مؤلفه “الثابت والمتغير في الدساتير الجزائرية: من دستور 1963 إلى دستور 2020” تأثير الظروف السياسية والاقتصادية التي شهدتها الجزائر على إصدار الدساتير،التي تميزت بالمتغير في نمط الحكم والاقتصاد واحتفظت بثوابت الأمة وعناصر الهوية الوطنية.
ومن خلال دراسة تحليلية تاريخية معمقة، عالج السيد بوسعدية الأسباب الكامنة وراء إصدار الدساتير الستة التي عرفتها الجزائر منذ استرجاع سيادتها الوطنية، وذلك عن طريق دراسة تأثير الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية على صياغة الدساتير أو اللجوء إلى تعديلها.
وينطلق الباحث من التدقيق في ديباجات الدساتير الستة، مخصصا لذلك الفصل الاول لتحليل “الثابت و المتغير في ديباجات الدساتير” التي تباينت في مسائل عدة تتعلق بتحديد طبيعة النظام الدستوري و السياسي و الاقتصادي. و استخلص الباحث أن ديباجة دستور 2020 انفردت بإقرار مواضيع جديدة تتعلق بإقرار بيان أول نوفمبر الوثيقة المؤسسة للدولة الجزائرية و التأكيد على الصفة التاريخية لجبهة التحرير الوطني و نبذ خطابات الكراهية وكل أشكال التمييز و ضمان الامن القانوني والديمقراطي ومشاكل البيئة.
بالموازاة، تبقى الأحكام الثابتة-يوضح الكاتب- تحوم حول الحروب التحريرية من الاستعمار الفرنسي وخاصة ثورة أول نوفمبر 1954 ودور جبهة التحرير الوطني في استعادة السيادة الوطنية و تأميم الثروات الوطنية و تشييد دولة عصرية إلى جانب الالتزام بالقضايا العادلة لشعوب العالم الثالث.
ولدى تطرقه إلى الأحكام الخاصة بالمبادئ التي تحكم المجتمع، أوضح المؤلف أن الدساتير الجزائرية شهدت قفزات نوعية في تحديد هذه المبادئ ومع ذلك حافظت على جملة من الثوابت خاصة ما تعلق بالتسمية الرسمية للبلد أي الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية واللغة العربية كلغة وطنية ورسمية و الاسلام دين الدولة و عاصمة البلاد والعلم والنشيد الوطنيين وختم الدولة والسيادة للشعب والتضامن مع الشعوب وعدم اللجوء إلى الحرب وحل النزعات بالطرق السلمية. بالمقابل، تمثلت الأحكام المتغيرة-يقول السيد بوسعدية- في تبني النهج الاشتراكي قبل دستوري 1963 و 1976و إلغائه من قبل الدساتير اللاحقة وإدراج الأمازيغية كلغة وطنية ثم رسمية عقب تعديلات دستورية.
أما على مستوى الأحكام المتعلقة بالحقوق الأساسية والحريات العامة والواجبات، فقد “غلبت صفة الثبات” على دساتير الجزائر، التي حافظت على هذه الحقوق سيما منها حق الترشح و التصويت وحق التعليم وحق تأسيس الجمعيات والحق النقابي والإضراب.وبخصوص تنظيم وفصل السلطات، يرى السيد بوسعدية أن النظام الدستوري الوطني “عرف تغيرات نوعية” من الناحية الإيديولوجية و المؤسساتية أثرت بشكل جوهري في ماهية السلطات وساهمت في بلورة مهامها و تسييرها والعلاقة الوظيفية التي تجمعها، حيث أدرج الدستوران الأولان الوظيفة السياسية لحزب جبهة التحرير الوطني ضمن السلطات، فيما اكتفت الدساتير اللاحقة بالتنظيم الكلاسيكي أي السلطات الثلاث (تشريعية، تنفيذية، قضائية).
أما دستور 2020، يوضح المؤلف، فقد انتهج مبدأ التفريق بين رئيس الجمهورية والحكومة ووصف السلطة التشريعية بالبرلمان والسلطة القضائية بالقضاء، مع الاشارة إلى أن دستور 1976 يعتبر الوحيد الذي كيف السلطات بالوظائف، في حين أن دستور 1963 يعتبر الوحيد الذي أقر مسؤولية رئيس الجمهورية امام الهيئة التشريعية.
في ذات الصدد، أقرت كل الدساتير إسقاط الحصانة عن النائب في حالة المتابعة القضائية، بخلاف دستور 2020 الذي أرجعها إلى المحكمة الدستورية. في حين أن دستور 1996 يعتبر الأول الذي أقر تحديد العهدات الرئاسية، بعهدتين ثم ألغاها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في تعديل 2008 ليعود إليها في دستور 2016 وأدرجها ضمن المواد الصماء. كما يعتبر دستور 2020 الوحيد الذي نص على تحديد عهدة النائب بالبرلمان بعهدتين متتاليتين أو منفصلتين.و بخصوص الأحكام المتعقلة بالمؤسسات الاستشارية، فلم تول الدساتير الأولى (1963 إلى دستور 1996) أهمية كبيرة للمؤسسات الاستشارية واكتفت بمؤسستين على الأكثر، في حين بدأ الاهتمام بالمؤسسات الاستشارية مع دستور 2016 الذي نص على سبع مؤسسات استشارية، وحافظ دستور 2020 على المؤسسات الاستشارية، بخلاف الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته التي أدرجتها ضمن الهيئات الرقابية وأضاف مؤسستين و هما المرصد الوطني للمجتمع المدني و الأكاديمية الجزائرية للعلوم و التكنولوجيات.وفيما يتعلق بالأحكام المتعلقة بالتعديل الدستوري، نصت كل الدساتير على الأحكام المتعلقة بالتعديل الدستوري أو الوظيفة التأسيسية واختلفت في رسم و تحديد ألياتها وكذلك إجراءاتها، بخلاف دستوري 1976 و 1989 اللذين أرجعا المبادرة بتعديل الدستور إلى رئيس الجمهورية لوحده. كما نصت الدساتير الأخرى على اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي بخلاف دستور 1976 الذي يعتبر أيضا الوحيد الذي نص على حكم خاص بالتصويت على الأحكام الخاصة بالتعديل الدستوري.وخلص السيد بوسعدية إلى التأكيد على أن سمة المتغير طبعت الدساتير الجزائرية التي جاءت لتعالج مختلف الازمات السياسية و المؤسساتية التي عرفتها البلاد في محطاتها التاريخية المختلفة وهو ما دفعها إلى تغيير الأحكام الدستورية و تجديدها قصد إيجاد الحلول المناسبة لتحقيق الاستقرار السياسي و المؤسساتي لكن هذا لا يعني أن الدساتير الجزائرية لم تحافظ على أحكام بقيت ثابتة من حيث المضمون حتى ولو أصابها التعديل من حيث الشكل و التحرير.
وفي تصريح لوأج، أكد بوسعدية أنه يسعى من خلال بحث علمي اثراء المكتبة الوطنية وتقديم إضافة علمية تكون بمثابة “دليل عملي” للطلبة بالدرجة الاولى سيما منهم المتخصصين في العلوم القانونية.محمد سعيد بوسعدية من مواليد 21 ديسمبر 1960، بالجزائر العاصمة و هو خريج المدرسة الوطنية للإدارة. الكاتب حاليا متقاعد بعد تجربة مهنية دامت خمسة وثلاثين سنة في مجال المراقبة المالية وهو صاحب كتاب “مدخل إلى دراسة قانون الرقابة الجزائري” الصادر سنة 2014 وكتاب ، مسار المؤسسة التشريعية في الجزائر الصادر في ديسمبر 2020).