وهران :سقوط المرابطين … و مصرع الأمير تاشفين بن علي بجبل الهيدور
شهدت وهران بعد سيطرة المرابطين ونهاية حكم الأمويين والفاطميين تطورات واسعة في مجالات متعددة؛ حيث ازدهرت فيها الحركة الثقافية وظهر عدد من العلماء والفقهاء وتوسعت المدينة وتضاعفت نشاطاتها التجارية البحرية، وذلك لأن المرابطين اتخذوها قاعدة بحرية هام، نظر لأهمية ميناءها من الجانبين الطبيعي والاستراتيجي. وتعتبر دولة المرابطين، الدولة الثالثة التي ملكت وهران بعد الأمويين والفاطميين، وأول من ملكها منهم “يوسف بن تاشفين”.
و المرابطون يقال لهم الملثمون؛ وهم فرقة من صنهاجة لقبوا بذلك لأنهم لجؤوا إلي جزيرة وربطوا أنفسهم لطاعة شيخهم عبد الله بن ياسين.ويرى العلامة “ابن خلدون” أن هذه الجزيرة في بحر النيل، لكن الدكتور “يحي بوعزيز” نقلا عن “مازاري بن عودة” يقول أن “الجزيرة التي اعتصم فيها عبد الله بن ياسين تقع في حوض نهر السينغال…” وذكر محمد عبد الله عنان أنها “تقع على نهر النيجر، وسموا بالملثمين، إما لكونهم لا يتركون اللثام حتى لا يعرف أحدهم، إلا اذا كان ملثما، وإما يكون رجالهم غابت عن حيهم، وبقي فيه النساء فجاءتهم العرب لأخدهم فلبسن النساء لباس الرجال وتلثمن لئلا يعرفن وقاتلن العدو إلى أن دافعن عن الحي، وهو جاء على لسان مازاري بن عودة.
ولما ملك “يوسف بن تاشفين” وهران فتحها عنوة وطرد منها ملوك بني خزر المغراويين وقطع دعوة مغراوة وبني يفرن من فاس ووهران، لذلك قال أبو راس الناصري: “ثم أزالهم يوسف أيضا، كما أزالهم قبل عن أرض فاس… ” ثم ملك وهران بعده ابنه علي سنة 1106م وبعده تولى ابنه “تاشفين” حفيد “يوسف بن تاشفين” وهران 1145م موضع ابيه (علي) في ضرف كان الصراع بين المرابطين والموحدين بلغ دروته، فانهزم المرابطون أمام جيش “عبد المومن بن علي” الموحدي في تلمسان، لذلك فر “تاشفين بن علي” إلى وهران، فترك “عبد المومن” تلمسان والتحق بوهران في طلب “تاشفين”، فنزل عليه وحاصره، فمات تاشفين”. وقد وقع هذا الحدث التاريخي في مكان يسمي كدية” صلب الكلب” في جبل “هيدور”، الواقع بين وهران ومرسى الكبير، وكان هذا المكان عبارة عن رباط للطلبة والعلماء. …..(يتبع)
يذكر أيضا أن هناك اختلاف في موت تاشفين (طريقة التي توفي بها)، وأيضا اختلاف في اليوم الذي توفي فيه، وكذا السنة الهجرية، ما عادا هذه النقاط اتفق المؤرخون على أنه توفي سنة 1145م، وفي شهر رمضان، وبالضبط في عشر الأواخر.
و قد سجل المؤرخون بعض الإختلافات بداية من أبو محمد صالح، يقول: “خرج تاشفين ليلا ليقاتل العدو فتكاثرت عليه الخيل والرجال، وكانت ليلة مضلمة ممطرة في ليلة تسع وعشرين من رمضان سنة 539هجري، فهرب من أمامهم، وكان بالجبل جرف عالي، فظن أن الأرض متصلة، فهوي بفرسه فمات. في حين أن أبو راس ناصري، قال: “لما طال عليه الحصار بوهران وعلم أنه لا طاقة له، ودع خواصه، وخرج ليلة عيد الفطر سنة 539هجري بفرسه وسقط من الجرف”، كما يقول في “عجائب الأسفار” 541هجري، عكس في كتابه عجائب الأخبار، ذكر سنة 539هجري.
أما أبو الفداء، فورد عنه، “أنها كانت ليلة تسع والعشرين من رمضان سنة 539هجري، حين خرج تاشفين قاصدا مكان علي البحر فيه متعبدون وصالحون، قصد التعبد معهم فلما بلغ الخبر جيش عبد المومن حاصروا الرباط، فركب تاشفين فرسه ليهرب فسقط من جرف عال.”و محمد بن يوسف الزياني، قال: المكان الذي مات فيه تاشفين يعرف باسم مكب الفرس، قرب حمام دادا أيوب، مابين وهران والمرسى الكبير، ثم لما وجد في الغد ميتا هو وزوجته، قطع رأسه وحمل الى تنمليل.
أما أحمد بن محمد السحنون الراشدي، يقول: “لما كانت ليلة سبع وعشرين، صعد تاشفين من ربوة إلى هذا الرباط ليحضر ختم القرآن، فعلم الموحدون بذلك فأحاطوا بالرباط وأحرقوا باب الرباط، فخرج تاشفين راكبا فرسه فترامى بيه الفرس هاربا، ولم يمكنه السيطرة عليه حتى سقط بيه من جرف عال، ولما عثر عليه في الغد ميتا سمي الرباط بكدية صلب الفتح.”يضيف “أحمد بن سحنون الراشدي” عن سبب هروب تاشفين إلى وهران، أنه تيقن من زوال دولته فأتى وهران ليستقر فيها، وإن غلب ركب البحر هاربا إلى الأندلس. وحتى الدكتور “يحي بوعزيز” ذكر نفس السبب الذي تطرق إليه “أحمد سحنون الراشدي” بخصوص هروب “تاشفين” إلى وهران؛ حيث قال أنه “أرسل الي قائد أسطوله محمد بن ميمون بالأندلس، ليبعث له مراكب بحرية إلى وهران، وذلك حتى يتكمن من محاربة الموحدين، وفي حالة الإنهزام ينسحب إلى الأندلس.”وبعد موت “تاشفين بن علي” حاصر “عبد المؤمن” وهران وقطع عليها الماء، ثم اقتحمها وقامت قواته بمجزرة دموية، وذلك انتقاما من سكانها، نتيجة تأييدهم للمرابطين، وذكر هذا المؤرخ “إبن خلطون”.
موقع كدية صلب الكلب
لقد أجمع كل من أرخوا لفترة المرابطين، أن “كدية صلب الكلب” أو كما سماها الموحدين “صلب الفتح” تقع في جبل هيدور (جبل مرجاجو و جبل مايدة) بالقرب من برج حسن بن زهوة الذي سماه الإسبان برج “سان غريغوار”، ويقع بين برج لامون وبرج الجبل (سان تاكروز ) بالقرب من حمام دادا أيوب المغراوي، وهذا ما ورد عن “محمد عبد الله عنان”.وأيضا سمي الرباط “كدية قفزة الفرس” أو “عثرة فرس” أو “مكب الفرس”، كما تم الإشارة إليه أعلاه.
كما يوجد خريطة إسبانية حددت المكان سنة 1757م وخريطة أخرى فرنسية توضح مكان مكب الفرس المتواجد بين برج لامون وبرج الجبل؛ حيث يوجد برج سان غريغوار: يعني أن هذه الخريطة تؤكد صحة ما جاء في المصادر التاريخية، إلا أن البعض يري أن الرباط يقع أسفل برج “الأمحال”، حسبما ورد في كتاب (تاريخ وهران) ل “ديديي”، بيد أنه كذب هذا الرأي، ورجح الرأي سالف الذكر ( الرباط يقع أين يوجد برج بن زهوة وليس أسفل برج الأمحال )
وفي الأخير، نقول أن وهران وبالخصوص “رباط مكب الفرس” كان سببا في نهاية دولة وبداية دولة أخرى، ويصبح ذلك رسميا بعد سنتين؛ حيث ينتهي وجود المرابطين ويسيطر الموحدون على المغرب بأكمله….. (يتبع )
بقلم: بركان كراشاي هارون