تأسيس مدينة وهران والصراع عليها بين الأمويين والفاطميين
لا يختلف عليها اثنين، أن وهران، موجودة منذ الحقبة الرومانية والفنيقية،تعانق أعظم الحضارات وأقدمها، وإنك أينما حللت على هذه الأرض الشاسعة، يسافر بك الزمن عبر عصور،قد ولت وانتهت، تاركة وراءها بصمات دامغة من المعالم الأثرية والشواهد التاريخية…. لكن موضوعنا اليوم، هو “تأسيس في المرحلة الإسلامية”أي “القرن العاشر ميلادي”باعتماد وثائق وإثباتات تاريخية، تحدد الأحداث البارزة في تلك الفترة الزمنية.
و إستكمالا لما نشرناه الأسبوع الماضي فإن وهران، بنيت ثلات مرات وأحرقت وهدمت مرتين، جراء الصراع القائم بين الفاطميين العبيديين والأمويين؛بناءها الأول كان سنة 902م 903م، كما ذكرنا سابقا، ثم البناءالثاني مابين 910م911م، وذلك بعد حرقها قبل بسنة، أي في(909م)، وذلك استنادا إلى الكاتب والمؤرخ الدكتور يحي بوعزيز، وسبب ذلك(أي حرق المدينة)، أن قبائل كثيرة زحفت إلى وهران تطالب سكانها، بأن يسلموا لها بنو مسغن أو ما يسمي بنو مسرغين، حتى تقتص منهم لدماء سالت بين طرفين، لكنهم رفضوا مطلبهم هذا، فحاصرت هذه القبائل المدينة، وقطعوا عليها الماء…ففر سكان وهران ومعهم بنو مسرغين، واستجاروا بقبيلة ازداجة، فقام المحاصرون باضرام النار عليها، حسب ما ذكره الكاتب إسماعيل بن عودة المزاري، وأيضا يحي بوعزيز، ناقلين هذه الحادثة عن الجغرافي، الأديب أبو عبيد الله البكري.
وفي العام الموالي عاد أهلها إليها، وأعادوا بناءها بمساعدة أبي حامد بن داوسبن صولات، عامل على تيهرت، والذي أحسن بناءها ووضع نواة لقصبتها وأحاطها بسور (سور االمدينة؛ الجدار )، وهذا ما ذكره أبو عبيد الله البكري، والعلامة ابن خلدون وديدي…وعين محمد بن أبي العون، حاكما عليها، ثم أصبحت وهران، تحت سلطة خزر بن حفص بن صولات بن وزمار المغراوي، عامل الأمويين في الأندلس، بعدها تستولي على وهران قبيلة ازداجة وعجيسة، وهزموا محمد بن خزر بن حفص، ثاني زعيم قبيلة مغراوة بعد موت أبيه، سنة 918م، وبقيت تحت حكم هاتين القبيلتين المواليتين للفاطميين لمدة سبعة سنوات، حتى سنة 925م؛ حيث استرجع محمد بن خزر وهران وأخضع قبيلتي ازداجة وعجيسة وأصبحتا تحت حكمه ومواليتين للامويين وحارب الفكر الشيعي.
وفي سنة 930م غزي وهران مرة أخري ابي حامد بن داوس بن صولات عامل الفاطميين وانتزعها للامويين لكن هذه المرة كان حاكم علي وهران خير بن خزر بن حفص وحارب معه ازديجة وعجيسة وعين عليها مرة ثانية محمد بن أبي العون واليا عليها وفي سنة 930م غزى وهران مرة أخرى أبي حامد داوس بن صولات، عامل الفاطميين، وانتزعها للأمويين، لكن هذه المرة كحاكم على وهران، خير بن محمد بن خزر، وحارب معه ازداجة وعجيسة، وعين محمد بن أبي عون الوهراني، مرة ثانية واليا عليها.
وفي سنة 954م 955م هجم يعلي بن محمد بن صالح اليفريني علي وهران، فحارب محمد بن أبي العون وازداجة وعجيسة وفرق شملهم بجبل قيزة بوهران_ الموجود بالضبط في مرسى الكبير_ وأضرم فيها النار، ثم جدد بناءها في نفس السنة، وقام بتعميرها وتوسيعها.ثم عين يعلي بن محمد بن صالح اليفريني على وهران محمد بن الخير الخزري المغراوي (خزري يعني من ذرية خزر والد جده ) واليا عليها، فتصدي للأمويين وعمل علي نشر دعوة الشيعة إلى غاية سنة 970م، انقلب عليهم ورجع مبايعا للأمويين، وبعد محمد بن الخير، حكم وهران محمد بن يعلي بن الخير سنة 987م وحاربوه الصنهاجيون وانتزعوها منه لصالح الفاطميين، حتى استعاد محمدبن يعلي بن الخير وهران مرة أخري عام 1019م، وهذا نقلا عن الشيخ العلامة محمد بن يوسف الزياني.
هذه أبرز الأحداث التي ميزت فترة تأسيس وهران في المرحلة الإسلامية، وأخرى كثيرة، تؤكد أن عاصمة الغرب الجزائري، كانت ضحية صراع بين الأمويين والفاطميين، وبنيت ثلاتة مرات (902م، و910م، و955م)، وهدمت وأحرقت 909م و955م، وأيضا قبيلة ازداجة وعجيسة، مرة تكونان خاضعتان للامويين ومرة للفاطميين. وحتى الخزريين المغراويين بحد ذاتهم، مرات يخضعون لحكم الفاطميين ومرة لحكم الأمويين، وقد بقيت وهران على هذا الحال حتى انتزعوها منهم المرابطين سنة 1081م وزارها الرحالة ابن حوقل، وأشاد بعمرانها الواسع والجميل وأسوارها وازدهار الثقافة والتجارة فيها….
كما شهدت وهران بعد سيطرة المرابطين ونهاية حكم الأمويين والفاطميين تطورات واسعة في مجالات متعددة؛ حيث ازدهرت فيها الحركة الثقافية وظهر عدد من العلماء والفقهاء وتوسعت المدينة وتضاعفت نشاطاتها التجارية البحرية، وذلك لأن المرابطين اتخذوها قاعدة بحرية هام، نظر لأهمية ميناءها من الجانبين الطبيعي والاستراتيجي. وتعتبر دولة المرابطين، الدولة الثالثة التي ملكت وهران بعد الأمويين والفاطميين، وأول من ملكها منهم “يوسف بن تاشفين”.
و المرابطون يقال لهم الملثمون؛ وهم فرقة من صنهاجة لقبوا بذلك لأنهم لجؤوا إلي جزيرة وربطوا أنفسهم لطاعة شيخهم عبد الله بن ياسين.ويرى العلامة “ابن خلدون” أن هذه الجزيرة في بحر النيل، لكن الدكتور “يحي بوعزيز” نقلا عن “مازاري بن عودة” يقول أن “الجزيرة التي اعتصم فيها عبد الله بن ياسين تقع في حوض نهر السينغال…” وذكر محمد عبد الله عنان أنها “تقع على نهر النيجر، وسموا بالملثمين، إما لكونهم لا يتركون اللثام حتى لا يعرف أحدهم، إلا اذا كان ملثما، وإما يكون رجالهم غابت عن حيهم، وبقي فيه النساء فجاءتهم العرب لأخدهم فلبسن النساء لباس الرجال وتلثمن لئلا يعرفن وقاتلن العدو إلى أن دافعن عن الحي، وهو جاء على لسان مازاري بن عودة.
ولما ملك “يوسف بن تاشفين” وهران فتحها عنوة وطرد منها ملوك بني خزر المغراويين وقطع دعوة مغراوة وبني يفرن من فاس ووهران، لذلك قال أبو راس الناصري: “ثم أزالهم يوسف أيضا، كما أزالهم قبل عن أرض فاس… ” ثم ملك وهران بعده ابنه علي سنة 1106م وبعده تولى ابنه “تاشفين” حفيد “يوسف بن تاشفين” وهران 1145م موضع ابيه (علي) في ضرف كان الصراع بين المرابطين والموحدين بلغ دروته، فانهزم المرابطون أمام جيش “عبد المومن بن علي” الموحدي في تلمسان، لذلك فر “تاشفين بن علي” إلى وهران، فترك “عبد المومن” تلمسان والتحق بوهران في طلب “تاشفين”، فنزل عليه وحاصره، فمات تاشفين”. وقد وقع هذا الحدث التاريخي في مكان يسمي كدية” صلب الكلب” في جبل “هيدور”، الواقع بين وهران ومرسى الكبير، وكان هذا المكان عبارة عن رباط للطلبة والعلماء. …..(يتبع)
بقلم: بركان كراشاي هارون