الوطني

المرأة الفدائية بقسنطينة … قصة نضال وتضحيات ضد الاحتلال الفرنسي

كان لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 الفضل في إزالة كل الفروقات بين الرجل والمرأة اتجاه الواجب المقدس لتحرير الوطن من المستعمر الفرنسي، حيث انخرطت المرأة الجزائرية على غرار أخيها الرجل في الكفاح المسلح من أجل تحرير الوطن.و لقد انضمت المرأة المجاهدة والفدائية والمسبلة للكفاح المسلح تحت لواء جيش التحرير الوطني إبان الثورة التحريرية المجيدة (1954-1962) وتولت أصعب المسؤوليات ونفذت أخطر العمليات فداء للوطن.

و من بين مجاهدات الثورة التحريرية، ليلى بلكحل, حرم سديرة التي استذكرت في لقاء مع وأج بمتحف المجاهد بقسنطينة مسيرتها النضالية، مشيرة إلى أنها باشرت العمل الفدائي بمدينة الجسزر المعلقة وهي لم تكن تتجاوز 16 سنة (1956) رفقة الشهداء محمد حملاوي وسليمان داودي وعلي بسباس وكمال بن زراري وغيرهم.و صرحت المجاهدة, عشية احياء اليوم الوطني للمجاهد : “كنا في بداية مشوارنا النضالي نخضع لمرحلة تجريبية ليتم التأكد من قدرتنا النضالية وقوة تحملنا خاصة فيما يتعلق بكتمان السر لتنفيذ المهام بنجاح”.

و أبرزت خطورة الأدوار التي أسندت للمجاهدات والفدائيات اللاتي حملن القنابل لوضعها في الأماكن المستهدفة، حيث مكن تشبعهن بالروح الوطنية من اختراق الأماكن المستهدفة دون إثارة انتباه المستعمر الفرنسي.و فصلت المجاهدة سديرة بأنهن كن يكلفن بتوصيل الأمانات والرسائل وفق استراتيجية صارمة ومدروسة تفرضها عليهم قيادة جيش التحرير الوطني، إضافة إلى جمع الأدوية على غرار الكحول الطبي والضمادات وأدوية معالجة الحروق وإرسالها إلى المجاهدين في الجبال.

و أضافت في ذات السياق قائلة: “من بين أهم المهام التي كنت أقوم بها هي جمع الأدوية التي كان يتم تسريبها من بعض الصيدليات على غرار الكحول الطبي وبعض المستلزمات التي تستعمل في تضميد الجروح، حيث كنا نقوم بالتمويه و ملئها في قارورات للمشروبات الغازية ثم إلصاق وسم المشروبات الغازية عليها الذي يتم طباعته بمطبعة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين”.و قالت أيضا: “بحكم أن منزلنا كان يقع بحي الأمير عبد القادر +فوبور لامي سابقا+ وهو معقل الثوار، فقد استقبلنا أول ثلة من المجاهدين سنة 1955 منهم أحمد فيسلي المدعو الرقيق وسليمان حرشي وعمار بوعكاز الذين تمركزوا في بيتنا وهو ما لم يكن بالأمر السهل تماما”.

و قد تابعت المجاهدة ليلى سديرة خطوات أختها الكبرى الشهيدة نفيسة بلكحل التي سبقتها في النضال الثوري الذي استهلته سنة 1955 وظل كفاحها سريا حتى على أفراد الأسرة إلى أن عثرت الوالدة آنذاك في أغراضها على قنبلة يدوية كانت مخبأة في علبة شبيهة بعلبة للعطور وهو الأمر الذي قادها للإفصاح عن حقيقتها لوالديها”،لافتة إلى أن اطلاع أفراد الأسرة على العمل النضالي لنفيسة زادها إصرارا وتفانيا من خلال جلب الرسائل والأدوية والمؤونة وخياطة الملابس العسكرية للمجاهدين”.

و في ديسمبر 1957 وبعد إلقاء القبض على أحد المجاهدين المنتمين إلى الخلية التي تضم عائلة بلكحل من طرف عساكر المستعمر الفرنسي وتحت تأثير التعذيب الذي تعرض له, أفشى بأسماء المنخرطين فيها ومن بينهم نفيسة بلكحل ليتم اعتقال كل من الأب لعروسي والمجاهدة ليلى وهي في سن 17 من عمرها والشقيقة نفيسة التي تصادف وجودها بالمنزل العائلي يوم العملية التفتيشية وتم الزج بهم بمركز التعذيب بحي أمزيان بقسنطينة.و أردفت المجاهدة سديرة بتأثر كبير: “لقد تعرضنا لأسوأ أنواع التعذيب والتنكيل حيث تم فقأ العين اليمنى للوالد ليفقد بصره كليا وذلك على مدار 21 يوما”.

 

الملاية القسنطينية وراء نجاح عمليات فدائية

 

 

و اعتبرت المجاهدة سديرة أن سر نجاح المرأة في التنسيق بين الفدائيين والمجاهدين هو “الملاية القسنطينية” ذات اللون الأسود التي ساعدت على إخفاء كل ما تكلف بنقله كما تخفي ملامح وجهها أمام العدو “مكتفية بذكر كلمة السر”.

و حسب السيدة سديرة فقد “كانت قيادة الثورة تصر دائما على الفدائيات بارتداء الملاية لإخفاء الملامح”، مشيرة في هذا السياق إلى أن ولاية قسنطينة شكلت استثناء، حيث وظفت سلطات الاحتلال الفرنسي شرطيات للمراقبة الجسدية للنساء الجزائريات “للاطلاع على ما يحملن معهن”.كما اعتبرت المجاهدة قسنطينة “معقل الفداء” بالنظر للطبيعة الجيولوجية للمدينة العتيقة المعروفة بأزقتها الضيقة و المتشعبة ما ساعد الفدائيات –حسبها- على تنفيذ مهامهن.و أوضحت كذلك أن العمليات الفدائية كانت تتم عن طريق الالتقاء مع فرد إلى ثلاثة أفراد فقط من بينهم الشهيدين محمد حملاوي وسليمان داودي اللذين عرفا بشجاعة فريدة من نوعها، قائلة: “لقد كلفاني بإيصال مسدس في علبة بالمكان المتواجد أمام ثانوية سمية حاليا على الساعة 11 و15 دقيقة وأنا أرتدي لباس شبيه بذلك الذي ترتديه نساء المعمرين، حيث التقى بي محمد حملاوي وحمل المسدس وأطلق الرصاص على أحد الخونة وأرجع المسدس لحقيبتي وطلب مني الرجوع للمنزل, وتم كل ذلك في لمح البصر”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى