الوطنيعاجل

المتطوع “رفيق بوريش” يكشف لـ “منبر القراء”:”تعمل جمعية “إيثار” على تمكين العائلة المحتاجة من الحرية المالية”

بحلول السنة القادمة 2026، سيسدل الستار على 30 سنة من النشاط التطوعي دون توقف أو تعب، فهو يجد متعته وراحته في ابتسامة يرسمها على محيا محتاج وسعادة يراها على وجه أطفال بخدماته ومساعدته التطوعية  لهؤلاء المحتاجين، دون إحداث ضجيج، بل كل ما يتركه هو بصمة تبقى شاهدة على مروره ودعوات تكال له ولمن مد له يد العون والمساعدة من المحسنين، وبعد مرور كل هذه السنوات في خدمة المجتمع. وجد نفسه مضطرا لإنشاء جمعية حتى يوسع نشاطه في إطار القوانين التي تضبط هذا النشاط الخدماتي المجاني، أطلق عليها جمعية “إيثار”.إنه رجل التطوع “رفيق بوريش”، الذي التقته جريدة “منبر القراء”، وأجرت معه هذا الحوار:

 

 

العمل التطوعي في مجتمعنا معروف بتقديم خدمات قارة كمساعدة المحتاجين، التنظيف وحملات التشجير. هل هناك نشاطات أخرى يمكن التطوع فيها؟

 

 

العمل التطوعي هو كل خدمة أو إضافة يقدمها الفرد بدون مقابل أي مجانا، وتعود على المجتمع بالفائدة والإيجابية, مثلا يستطيع الفرد القيام بتنظيف أو تقديم مساعدة للمرضى بالمستشفيات دون مقابل، تدريس في القرى النائية ودعم تلاميذها مجانا، تدريس الأشخاص المسنين بدون مقابل. أتذكر في صغري، كانت والدتي مشرفة اجتماعية وكانت مكلفة بالمؤسسة التي كانت تشتغل بها، بمرافقة العمال الذين يمرضون من أجل تلقي علاجهم بالمؤسسات الاستشفائية، وكانوا في عمومهم يتلقون أجورا بسيطة، وأحيانا يدخل أحدهم المستشفى، وعائلته تقيم خارج المنطقة الحضرية لمدينة وهران، فكانوا لا يزورونه يوميا، من أجل جلب حاجيات له، فوالدتي كانت في عطلة نهاية الأسبوع، تقوم بإعداد الأكل في بيتنا وتنقله إليهم بالمستشفى دون أن تتقاضى عليه أجرة وهو ما يعتبر تطوعا.

 

 

 

هل يقدم العمل التطوعي قيمة مضافة للمجتمع وكيف ذلك؟

 

 

 

طبعا العمل التطوعي يقدم قيمة مضافة للمجتمع، فالمتطوع يقدم خدمة أو نشاطا يعود على المجتمع بإيجابية وإضافة، وكذلك بالنسبة للفرد.

فأول ما يقوم به العمل التطوعي يربي الفرد، يعلمه القيم، يعلمه مساعدة الآخرين والمجتمع، يعلمه احترام الآخرين والاحترام بصفة عامة، يعلمه الإيثار، كما أنه يعلمه أهم فكرة وهي العطاء وتقديم المساعدة والخدمة وليس الاكتفاء بالأخذ فقط، ليقتنع أن الحياة أخذ وعطاء. إذن التطوع له دور مهم يتعلق بالتربية، فهو يربي الفرد في المجتمع، ويغرس ثقافة المواطنة، ويعلمه أن يكون مواطنا صالحا في المجتمع. فللعمل التطوعي قيمة مضافة في المجتمع في أي مجال، هناك إضافات (خدمات، مساعدات) يحصل عليها المحتاج عن طريق المتطوعين، أي أن كل ما نقوم به عبر العمل التطوعي يعتبر إيجابيا بالنسبة للمجتمع، حتى أن المجتمع يمكنه أن يتطور بالعمل التطوعي ماديا بالإضافات المقدمة ومعنويا بتربية الأجيال.

 

 

 

هل كل الأشخاص مؤهلين للقيام بالعمل التطوعي؟

 

 

 

أكيد، كل الأشخاص بإمكانهم القيام بالعمل التطوعي، لكن لا يمكن إجبار الشخص على القيام بالتطوع. ولو قام الشخص لمرة واحدة بهذا النشاط، فيعتبر متطوعا، وتعتبر إضافة للمجتمع. لكن التحدي في العمل التطوعي هو مدى مداومة الأشخاص على التطوع. أما بالنسبة للأشخاص المؤهلين لذلك، فهم ينتمون إلى فئة تستطيع المواظبة على القيام بالتطوع باستمرار، لأنه ليس بإمكان الجميع الحفاظ على النفَس للمواصلة، لأنه نشاط صعب رغم أنه ظاهريا يبدو سهلا وبسيطا في البداية، فبمرور الوقت يتوقفون عن التطوع.

أما المؤهلين، كأنهم دربوا أنفسهم على الثبات والمواصلة بمواجهة الصعوبات والتحديات، لأنه ليس من السهل مساعدة الناس وتوفير احتياجاتهم بكل بساطة، وليس سهلا حل مشاكل هؤلاء المحتاجين للمساعدة، لكن المداومة تسمح باكتساب الخبرة. هناك من يفشل مع نفسه في الاستمرار فيتوقف بعد فترة.

 

هل هناك علاقة بين الإعلام والعمل التطوعي؟

 

 

للإعلام دور في دعم العمل التطوعي عن طريق حضوره لتغطية النشاط التطوعي، عندما تكون له قيمة راقية تخدم الفرد والمجتمع. وهو ما يجعل الإعلام يشجع على العمل التطوعي خاصة في حال وُجِد من يرغب في ولوج هذا العالم ويتخوف، كما أن الإعلام ينشره من أجل تعريف الناس بهذا المجال، إلى جانب الترويج، مما يخلق رغبة لدى البقية للقيام بالتطوع. في الوقت الذي يقوم العمل التطوعي بتوفير المادة الإخبارية الدسمة للإعلام، من أجل معالجة مواضيع وقضايا أهم الفرد والمجتمع.

 

 

 

تقوم بالعمل التطوعي فرديا لمدة تقارب 30 سنة، ما الذي دعاكم لإنشاء جمعية “إيثار” في هذا التوقيت؟

 

 

في 2026 ستنقضي 30 سنة من نشاطي في مجال التطوع الإنساني، وجمعية “إيثار”، تأسست في 2021، تبعا لرغبتي في تجسيد مشروع ضخم يتعلق بالبنك الغذائي، وهو مشروع يتطلب إمكانيات كبيرة مادية ومالية، وهو ما يستدعي ضوابط قانونية من أجل تجسيده لتسيير الأمور المالية والتقنية، وهو ما استدعى إنشاء جمعية. إنما النشاط التطوعي الذي كبرت عليه في وسط عائلتي، يخدمة نزلاء دور التكفل بالفئات الخاصة (يتامى ومسنين) الموجودين بالمراكز التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي، إلى جانب العائلات المحتاجين في المجتمع، فقد اعتدت العمل وحدي لأنني أتلقى دعم ومساعدات من محيطي المعرفي لمحسنين وأشخاص يقدمون المساعدة، فقد كانت هناك دوما مجموعة من الأشخاص نقوم بنشاط ما، ثم يأتي غيرهم ونقوم بنشاط آخر، لمدة تتجاوز 20 سنة، ما اضطرني لإنشاء الجمعية هو الغطاء القانوني، فالتطوع ليس ممنوعا، لكن بالجمعية يمكن توسيع النشاط أكثر وكسب متطوعين إضافيين.

 

 

 

ما هي مهام جمعية “إيثار”؟

 

 

 

جمعية “إيثار” هي جمعية اجتماعية تتكفل بكل ما هو اجتماعي، هدفها هو التكفل بالفئات المعوزة في المجتمع (أصحاب الدخل الضعيف، المرض…). فالجمعية نشاطها غير محدود، نستطيع التدخل في مجال التعليم، التكفل بالمريض، الألبسة، الغذاء… لكن المهمة الكبيرة للجمعية هي إخراج الفئات المعوزة من دوامة التكفل الاجتماعي الذي له جانب سلبي، عندما نتكفل بهاته الفئات هي إيجابية، نساعدهم على الخروج من تلك الحاجة، لكن في حال بقينا محافظين على نفس العمل بتوفير احتياجاتهم دائما، فهم لن يخرجوا من الدوامة الموجودين بها، نحن نساعد وفي نفس الوقت نحاول إيجاد تجسيد مشاريع تسمح لهم بالاندماج في المجتمع والعمل على التكفل بأنفسهم اجتماعيا ومهنيا، وانتشالهم من هامش المجتمع إلى العيش بين أفراده بصورة طبيعية، هذا هو الهدف الرئيسي لجمعية “إيثار”. النظرة الاستشرافية والخبرة التي اكتسبتها في هذا المجال مكنتني من استنتاج أن المساعدة الحقيقية لتلك الفئات لاسيما الأسر والعائلات، ليست فقط التكفل الاجتماعي والإنساني بها، بل بمنحها فرصة لاكتساب حرفة أو تكوين يسمح لها بالحصول على عمل يوفر لها مدخولا يعيلها ويجعلها تحيا كباقي العائلات في المجتمع دون الاعتماد على مساعدات الآخرين وإمكانية أنها تتحول هي أصلا إلى القيام بالتطوع وخدمة الفرد والمجتمع بعدما كانت عبئا عليه. وهو ما أكدته لي تلك التكوينات والتربصات المتعلقة بالحلاقة، الحياة وحتى الطبخ لنزلاء مراكز التكفل الخاصة لمديرية النشاط الاجتماعي، وتمكين هؤلاء المتربصين من شهادات تكوين معترف بها من طرف الدولة، تسمح لهم بولوج عالم الشغل والاندماج بسهولة في المجتمع لدى مغادرة تلك المراكز. وهي الطريقة التي أجدها أفضل سبيل لتحقيق نتائج مهمة في العمل التطوعي، ولابد الجمعية “إيثار” التركيز عليها، لأن الإبقاء على تقديم الدعم فقط سيبقي ذلك متواصلا ويخلق محتاجين إضافيين في المجتمع، في حين التكفل بتكوين وإدماج المحتاج في المجتمع سيخلق فردا مسؤولا ومندمجا بصورة إيجابية في المجتمع كما أنه يقضي على الاتكالية، عن طريق توفير التمهين لها، وخلق مشاريع صغيرة، مثلا ذات مرة كانت أم لها أولاد توفي زوجها وبقيت بدون عائل، كانت تتقن الخياطة، تمكنت من تزويدها بآلة خياطة احترافية والأدوات اللازمة، جعلتها تدخل عالم الشغل وتتحول إلى منتجة تتكفل شخصيا بأولادها.

 

 

 

طيلة مسيرتكم التطوعية، هل هناك موقف أثر فيكم ومازال محفورا في ذاكرتكم إلى اليوم؟

 

 

 

 هناك الكثير من المواقف التي بقيت عالقة في ذهني، لكن أهمها “درس القناعة والاكتفاء”، الذي أذهلني به أحد المشردين في الشارع، ذات مرة ونحن نوزع الأغطية والجوارب والقبعات ليلا في فصل الشتاء، رفقة شقيقي وبعض الأصدقاء، لمحت أحدهم نائما في على الرصيف، فأشرت لهم بأن يمنحوه غطاء و جوربا وقبعة، ليفاجئنا باكتفائه فقط بالجوارب، بينما رد إلينا الغطاء الشتوي والقبعة، ولدى سؤاله عن السبب، رد علينا بأنه ليس بحاجة لهما لأنه يملك غطاء وقبعة، وقد يكون هناك شخص آخر غيره بحاجة ماسة لهما، وهو ما أدهشنا؛ لم أنم ليلتها، لأن تصرفه فاجأني، فقد كان درسا في الحياة، لأنه كان قادرا أن يستغل الفرصة ويأخذها إما لنفسه أو بعيد بيعها لاسيما وأنها جديدة ولكنه لم يفعل.

 

كلمة أخيرة أو نصيحة؟

 

 

 

أتمنى أن تكون الجمعيات على وعي ليكون هدفها الأول في النشاط الاجتماعي، هو إخراج العائلة المحتاجة من دائرة الاتكال على المساعدات، إلى دائرة النشاط والاشتغال، لأنه من غير المعقول الإبقاء على التكفل بها إلى فترة طويلة، إلا في حالات نادرة، تكون فيها الحلول غير متوفرة، فتتحول العائلة إلى التكفل بنفسها وهنا فقط نكون قد حققنا هدفنا، لأن هدفي الأساسي من خلال نشاطي هو تمكين العائلة المحتاجة من الحرية المالية. كما أشكركم على اهتمامكم بهذا المجال المهم في بناء وتكامل المجتمع.

 

حاوره: محمد. م

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى