إثيوبيا: أزمة داخلية متعددة الأبعاد قد تهدد منطقة القرن الإفريقي
تشهد اثيوبيا وضعا أمنيا، سياسيا وإنسانيا غير مستقر بسبب التحولات الأخيرة، في ظل المواجهات العسكرية و أزمة إنسانية في إقليم “تيغراي”، قد تسفر عن تداعيات خطيرة ليس على مستقبل البلاد فحسب، بل على منطقة القرن الافريقي بأسرها.
وأعلنت قوات إقليم “تيغراي”، شمال إثيوبيا، تقدمها جنوبا وانتزاع بلدة من أيدي القوات الحكومية، ما يبرز إصرارها على مواصلة القتال حتى العودة إلى حدود الإقليم قبل الحرب، رغم اتفاق وقف اطلاق النار الاحادي الذي وافق عليه التيغريون بشروط.
و بالنظر الى التطورات التي شهدتها البلاد في السنوات الاخيرة بفضل نموها الاقتصادي السريع، والتحول إلى نظام سياسي ديمقراطي، في أعقاب عقود كانت فيها إثيوبيا في قائمة أفقر الدول، الا ان الاحداث الاخيرة كانت بمثابة “بقعة “سوداء” في تاريخ البلاد.
فالصراع الذي احتدم في اقليم “تيغراي”، قبل ثمانية أشهر، بين قوات الحكومة المركزية وقوات حزب “جبهة تحرير شعب تيغراي” الحاكم في الإقليم، فتح جبهة جديدة من التوتر في القرن الافريقي، حيث خلف القتال آلاف القتلى و نزوح أكثر من مليوني شخص، و أضحى أكثر من خمسة ملايين شخص في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدات، بينما هناك نحو 350 ألف شخص على الأقل، من بينهم 30 ألف طفل على حافة الموت جوعا ما لم تصل إليهم الإغاثة عاجلا، حسب الامم المتحدة، وهو ما تنفيه الحكومة الإثيوبية.
و في أحدث التطورات على الأرض، استعادت “جبهة تحرير شعب تيغراي”، “ميكيلي” عاصمة الإقليم، الثلاثاء، بعدما كانت تحت سيطرة الحكومة المركزية منذ نوفمبر الماضي، و سادت مظاهر الفرح شوارع المدينة، في أعقاب دخول المقاتلين المناوئين لحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد إليها. كما دخل المقاتلون بلدة “شاير الواقعة” على بعد حوالي 140 كلم إلى الشمال الغربي، وفقا لمسؤولين أمميين.وقال المتحدث باسم جبهة “تحرير شعب تيغراي”، جيتاشيو رضا، إن قوات “تيغراي”، “سيطرت على بلدة /كوريم/ 170 كلم/ جنوبي /ميكيلي/، وإنها تتقدم للسيطرة على بلدة /ألاماتا/ التي تبعد 20 كلم جنوبا، مؤكدا، أن الجبهة “ترغب في استعادة حدود ما قبل الحرب ، وفتح روابط النقل للسماح بانتقال الناس والمساعدات الغذائية”.
وتعود جذور الصراع في إقليم”تيغراي” إلى التوترات بين الحكومة الإثيوبية الحالية برئاسة آبي أحمد و “جبهة تحرير شعب تيغراي”التي حكمت إثيوبيا على رأس تحالف متعدد الأعراق ، على مدار ما يقرب من 3 عقود حتى أُطيح بها في احتجاجات شعبية عام 2018.
تيغراي ..حرب داخلية بأبعاد اقليمية
لطالما عانى الاقليم ب”شدة” خلال الفترة الطويلة من الحكم العسكري والحرب الأهلية التي أعقبت خلع الإمبراطور الإثيوبي الأخير هيلا سيلاسي، عبر انقلاب عسكري عام 1974 .
كما كانت “تيغراي” التي يقطنها 7 ملايين شخص -من أصل 122 مليون نسمة عدد سكان إثيوبيا-، بؤرة المجاعة بين عامي 1983 و 1985، و التي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وأكثر من مليوني نازح داخلياً.
و ظلت “جبهة تحرير شعب تيغراي”- التي كانت جزءاً من التحالف الذي أطاح بحكومة عام 1991-، قوة مؤثرة في السياسة الإثيوبية حتى عام 2019 ، عندما شكل رئيس الوزراء، الحائز على جائزة “نوبل” للسلام آبي أحمد، ائتلافا جديدا، رفضت أن تكون جزءا منه.و يرى بعض المتتبعين للشأن الاثيوبي، أزمة “تيغراي” قد تشجع القوميات الأخرى في الدولة متعددة الأعراق على الوقوف في وجه الحكومة المركزية أيضاً، مع العلم أن أبناء “تيغراي، يشكلون ثالث أكبر مجموعة عرقية في البلاد بعد الأورومو”، و “الأمهرة”.
فلم تقتصر تداعيات الأزمة الداخلية على إثيوبيا فحسب، بل امتدت عبر حدود البلاد، حيث فر عشرات الآلاف من اللاجئين من الاقليم المشتعل إلى داخل الأراضي السودانية من الجهة الغربية و الى الحدود الارتيرية على الجهة الشرقية. وعلاوة على استعانة الحكومة الفيدرالية، بقوات اريتريا في هجومها على جبهة “تحرير شعب التيغراي”، التي تعتبرها عدوها “اللدود”.ويرى مراقبون، أن الصراع يمكن أن يضعف الدولة الإثيوبية، مما قد يكون له عواقب إقليمية مدمرة، فتركيز الحكومة الفيدرالية على جهدها العسكري في “تيغراي”، “قد يضعف مشاركتها في دعم الحكومة في الصومال في مواجهة مقاتلي حركة الشباب الارهابية”.و سعياً لتهدئة التوتر ، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من أن، استقرار إثيوبيا” مهم لمنطقة القرن الأفريقي بأكملها”.
و في وقت تحدثت تقارير عن فظائع المروعة و مذابح ،واغتصاب جماعي، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين في “تيغراي”، وسط دعوات لاجراء تحقيق في مقتل العشرات من ابناء الاقليم، شنت الحكومة الإثيوبية حملة دبلوماسية بهدف إقناع العالم، بأن هذه “مسألة داخلية”، واصفة الصراع بأنه ،”عملية تطبيق للقانون” ضد “زمرة” تهدف إلى “تدمير النظام الدستوري” الإثيوبي.